الإسلام يحارب الشرك
مصطفى آل مرهون
أول عمل قام به رسول الإسلام (ص) أنه تصدى لمحاربة مظاهر الشرك وكان يريد من ذالك تحرير الإنسان من الخضوع لغير الله تعالى على وجه الأرض، وكان الإسلام يهدف إلى السمو بالإنسان من الخضوع إلى مافي عالمه الدنيوي، وأن لا يخضع إلا لمن لا يجوز عليه التغير والفناء؛ لأن خضوع الإنسان للمتغير يجعله مضطربا في التوجه في كل مجالات حياته، ومضطربا في الغاية والمصير، ومضطربا في دوافع عمله وسلوكه.
نعم لقد كانت مهاجمة الإسلام للشرك ومظاهره لكي يخلصه من الخضوع لعبادة المحدود المتغير الفاني، ويأخذ بيده إلى ما وراء ذالك من عبادة ماله الدوام والاستقرار سبحانه. وإذا كان له ذالك كان له الكمال المطلق، وهذا من يجب الخضوع له والتسليم إليه.
ومن هنا لم يكتفي الإسلام بالدعوة إلى التوحيد، بل قام بدفع الشبهات وإقامة الحجج والبراهين العقلية والعلمية، على أن الخالق واحد لاشريك له سبحانه. قال تعالى في قصة المسيح عليه السلام: (لقد كفر الذين قالو أن الله هو المسيح ابن مريم…) المائدة: ٧٢.
مظاهر الشرك
للإشراك مظاهر متنوعة ومتعددة تعرض لها القرآن الكريم، وبين عدم صحتها وبطلانها.
أولا: عبادة الأشخاص. فأحيانا يؤله الإنسان مثيله الإنسان معتقدا أنه يتمتع بمزايا وخواص ينفرد بها دون غيره مما يجعله إلاها، وقد كان لهؤلاء المتألهين طرق عديدة للوصول إلى غايتهم، كالدجل واستغلال السذج من الناس واستعمال القوة كالقتل والترهيب وغير ذالك، للوصول إلى مطامعهم ومآربهم القذرة.
ولقد دعا القرآن الكريم منذو البداية إلى توحيد الله ومحاربة الشرك منذ البداية من أجل إسعاد البشر وحفظ حقوقهم واستقلالهم. قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالو إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولانشرك به شيئا ولايتخد بعضنا بعضا أربابا من دون الله) آل عمران: ٦٤. ولقد غالى البعض في الإمام علي (ع) حتى قالو أنه الله سبحانه، وحينما مر على قوم في رمضان وهم يأكلون فسألهم : أسفر أنتم؟ فقالوا: لا. فسألهم: أمرضى أنتم؟ فقالوا لا. قال: فلم تأكلون؟ قالوا: أنت أنت. فعند ذالك أحرقهم بالنار.
ثانيا: عبادة الأهواء. ويتضح أن من مظاهر الشرك عبادة الأهواء، ويتحقق ذالك بخضوع الإنسان وانقياده إلى هواه، فكلما هوى شيئا ومالت إليه نفسه خضع له وتبعه، قال تعالى: (أرأيت من اتخذ إلاهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا). الفرقان: ٤٣. فالمال مثلا ذالك المعبود الذي يسيطر على كثير من الناس، فصار البعض يلهث خلف جمعه، رغبة لطلب الرفاهية والعيش الرغيد، حتى لوكان بالرعب والإرهاب والقتل وتشريد المستضعفين، وربما ألهى الناس عن ربهم وصرفهم عن شكر الخالق المنعم ووجوب طاعته سبحانه، والقرآن حذر من سلطان المال وطغيانه وجبروته وتأثيره على الإنسان. (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذالك فأولئك هم الخاسرون)
ثالثا: عبادة الأسلاف. وقد ادعى العالم (تايلود) أن عبادة الأجداد نشأت من الإعتقاد ببقاء أرواح الأبطال ورؤساء القبائل الذين بيدهم مقاليد الحكم، حيث تبقى أرواحهم تدافع عنهم وتقيهم شر الأعداء. وقد حارب القرآن هذا المعنى بقوله تعالى: (لا إله إلا هو يحي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين) الدخان: ٨.
وقد استغل البعض هذا المعنى وحاول إدخال زيارة الإمام الحسين والأئمة الأطهار (ع) في هذا الباب، وألحق بهذا الباب زيارة القبور وقبور الشهداء وغير ذالك.
ونجيب باختصار: أن زيارة القبور، وإقامة المآتم هي نوع من أنواع التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، كازيارة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الأخوان. فزيارة المريض ليست هي تقربا له حتى تكون لغير الله أوشركا في عبادته، بل هي قربة إلى الله تعالى. أما هل زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة فذالك مبين في الموسوعات الفقهية. مع العلم أنه ليس المقصود عندنا كما يظن البعض عبادة الأئمة، وإنما إحياء أمرهم وتعظيم شعائرهم، بعتبارهم الإمتداد لرسول الله (ص) (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
رابعا: عبادة الأصنام والأوثان. والصنم هو التمثال المصنوع من المادة وله شكل مخلوق، أما الوثن فلا صورة له كالحجارة والنصب، ويمثل الصنم في نظر عبدة الأصنام قوة عليا هي فوق الطبيعة، وقد يعتقدون أنها كامنة فيه.
وللأصنام مدلولاة وأساطير عند عابديها فبعضها يمثل الحرب، وبعضها يمثل الخصب، وبعضها يمثل الشر إلى غير ذالك. قال تعالى: (أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وماتعملون). وقد تحدث القرآن الكريم عن دوافعهم في عقيدتهم بقوله تعالى: (مانعبدهم إلا ليقربونا من الله زلفى) وهذا مما دعى الأديان السماوية إلى محاربتهم وبيان فساد عقيدتهم.
ويتضح من الروايات أن عبادة الأصنام كانت منتشرة في الجزيرة العربية، وحينما دخل الرسول مكة وجد في الكعبة ثلاث مائة وستين صنما، فأمر عليا (ع) أن يصعد على منكبيه، فركب وصعد على الكعبة وحطم الأصنام.
وقد قيل للمتنبي لم لاتمدح عليا؟ فقال:
قيل لي قل في علي مدحا *** ذكره يطفؤ نارا موصده
قلت لا أمدح من في كنهه *** حار ذي اللب إلى أن عبده
والنبي المصطفى قال لنا *** ليلة المعراج لما صعده
وضع الله على كتفي يدا *** فأراني القلب أن قد برده
وعلي واضع أقدامه *** في محل وضع الله يده