كشكول الوائلي _ 82

الحلم عند الاعتداء والصبر عند الابتلاء
ويكاد هذا الرأي يكون مشابها لما قبله ؛ فهؤلاء كلما اشتدّ عليهم الأمر ازداد تعلّقهم بالله. وتحضرني هنا حادثة ظريفة جرت لشقيق البلخي مع إبراهيم بن أدهم، وكلاهما من الصوفية، فقد جاء شقيق متنكرا ودخل على إبراهيم بن أدهم، فسلم عليه، فقال له ابن أدهم: ممن الرجل؟ قال: من أهل بلخ. قال: هل تعرف شقيقا البلخي؟ قال: نعم. قال له: كيف هي طريقة أصحابه؟ قال: إذا رُزقوا شكروا، وإذا مُنعوا صبروا. فقال: هذه طريقة كلابنا. فقال شقيق: إذن ما طريقة الناس الكاملين؟ قال: إذا اُعطوا آثروا، وإذا مُنعوا شكروا[1].
ملاقاة شقيق البلخي للإمام الكاظم عليه السلام
وكانت لشقيق قصة طويلة مع الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، يقول شقيق: خرجت قاصدا الحج، فبلغت مكانا رأيت الحجّاج نازلين فيه، ورأيت رجلاً ناحل الجسم تكاد تُميله الريح عندما تمرّ عليه، وعليه ملابس مرقّعة قصيرة، وعليه علامات السجود، فظننت أنه من هؤلاء الذين يصاحبون القوافل ويرتزقون منها إذ ليس عندهم ما يوصلهم.
ثم سرنا ولم ألتفت إليه، حتى وصلنا إلى منزل فَيد[2]، فنظرت إلى كثيب أحمر، فرأيت هذا الرجل يصلّي، وكانت صلاته شبيهة بصلاة العارفين، فلما فرغ رفع رأسه إلى السماء فقال: « أنت ربي إذا ظمئت من الماء، وقوتي إذا أردت الطعام، إلهي وسيدي مالي سواها فلا تعدمنيها ». وكانت إلى جانبه بئر لا يوصل إلى مائها إلاّ برشاء، فرأيت ماءها يرتفع، فأنزل الرجل ركوة فأخذ بها ماء، ثم راح يضع فيه الرمل ويشرب، فدنوت منه، فقلت: بالذي أسقط عنك ملال التعب، ومنحك لذيذ الرغد، إلاّ ما أعطيتني مما عندك فإني جائع. فقال: « اشرب واكتم واشكر نعمة اللّه عليك ». فشربت وإذا به سويق وسكر من ألذّ ما شربت في حياتي[3].
وهذا المعنى يأخذه الشاعر فيقول:
سل شقيق البلخي عنه وما عا *** ين منه وما الذي كان أبصرْ
قال لما حججتُ عاينتُ شخصا *** ناحلَ الجسمِ شاحبَ اللون أصفرْ
يضعُ الرملَ في الإناء ويشربْـ *** ـهُ فناديتُه وعقلي مُحَيَّرْ
اسقني شربةً فناولَني منـ *** ـهُ فعاينتُه سَوِيقا وسكرْ
فسألتُ الحجيجَ مَن يك هذا *** قيل هذا الإمام موسى بن جعفرْ[4]
سأل الرشيد أحد السجانين عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: كيف حال هذا المسجون عندك؟ فقال: واللّه ما اطَّلعت عليه إلاّ رأيته قائما وقاعدا وراكعا وساجدا. فقال الرشيد: ويحك إنه من رهبان الليل من بني هاشم[5].
يتبع…
_____________
[1] المستطرف في كل مستظرف 1: 160.
[2] فيد ـ بفتح أوّله ـ : فلاة في الأرض بين أسد وطيّئ في الجاهلية، بشرقي سلمى أحد جبلي طيّئ. معجم ما استعجم 3: 1033 ـ فيد.
[3] نوادر المعجزات: 156 ـ 159 / 2، مناقب أهل البيت عليهمالسلام الشرواني: 276، ينابيع المودّة 3: 119، وليس فيها قوله: بالذي أسقط عنك ملاك التعب… إلى آخره، بل هي عبارة تنسب لحماد بن حبيب الكوفي حينما ضلّ طريقة واستعان بالسجاد عليه السلام ليهديه الطريق، انظر: فتح الأبواب: 245 ـ 248، بحار الأنوار 46: 77 ـ 78 / 73.
[4] مناقب آل أبي طالب 3: 420، وقد نقل القصة والأبيات.
[5] قريب منه في الإرشاد 2: 240، ولم يذكر قول الرشيد.