كشكول الوائلي _ 80

img

في أن علي عليه السلام أول من أسلم وأناب

ثم قال عليه السلام: « اللهم إني أول من أناب وأسلم وأجاب، لم يسبقني أحد بالصلاة إلا رسول اللّه صلى الله عليه وآله».

فهو عليه السلام يريد أن يقول: إن الذي يشفع لي بصحّة نيّتي أنني أول من ردّد شعار «لا إله إلاّ الله».

وقد كان ذلك حقا، فقد بُعث النبي صلى الله عليه وآله وكان أوّلَ من صدّقه علي عليه السلامهو وخديجة عليهاالسلام ؛ ولذلك كانا (سلام الله عليهما) رفيقي رسول اللّه صلى الله عليه وآلهفي المحنة وأنيسيه في الشدّة، فقد خرج يوما وقد رمته قريش بالحجارة حتى أدمته وأبعدته إلى وادٍ من الأودية وبقي حتى الغروب، فجاءت خديجة إلى الإمام علي عليهما السلام[1]، فقالت له: منذ الصباح ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله، وقد أخرجه أعداء الله، وأنا حاملة معي شيئا من الطعام، فاصحبني لنبحث عنه. وأقبلت تنادي: أين أنت يا رسول الله، أين أنت يا ثمال اليتامى، وأخذت تجول في الوادي وعلي عليه السلام معها واضعا يده على قائم سيفه، حتى وجداه طريحا قد أخذته الحجارة، فمسحا عنه الدم والتراب، وأتيا به صلى الله عليه وآله، وهو يتَّكئ على أمير المؤمنين وخديجة عليهما السلام.

وهذا الموقف العظيم من هذه المرأة السيّدة الجليلة يُذكرني بموقف حفيدتها يوم الطفّ.

علي والزكاة

وقد قيل في السر والعلانية: إن ما اُعطي من الزكاة يكون علانية لئلا يُتَّهم المسلم بترك الحقّ الواجب، أما التطوّع فيكون بينه وبين ربه ؛ وذلك لأسباب، منها أن يحفظ وجه السائل، ومنها أنه يجعل الأمر خالصا لله. دخل أحدهم على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقال له عليه السلام: « ما عندك؟ ». فقال: حاجة. فقال له عليه السلام: « اكتب حاجتك على الأرض وانصرف، فإني أكره أن أرى ذلة السؤال في وجهك »[2].

فليس من المستغرب إذن أن تجد أمير المؤمنين عليه السلام يعيش غريبا في عصره ؛ لأن هذه الروح الشفّافة لا بدّ أن تعيش غريبة بين اُولئك الأجلاف. ولا يقع في تصوّرك أن محبّيه يغالون فيه ؛ لأن لديه من القضايا والمواقف في شتى الحقول الاقتصادية والاجتماعية الكثير مما سبق به عصره. ومن الظلم للإنسانية وللعطاء أن يعامل هذا الرجل كما يعامل غيره، يقول أحد الشعراء:

ما عدت ألحو عاشقيك بما أتَوا *** وصفاتُك الغَرَّاءُ حورٌ عينُ

آلاؤك البيضاءُ طوَّقَتِ الدُّنا *** فلها على ذِمَمِ الزَّمانِ ديونُ

وبحيثُ تَحتَشِدُ الورودُ فَرَاشَةٌ *** وبحيثُ ليلى يوجدُ المجنونُ[3]

يتبع…

______________________

[1]  في بعض المصادر أنه عليه السلام هو الذي جاءها.

[2]  البداية والنهاية 8: 10، جواهر المطالب 2: 129، ومثله في الأمالي الصدوق: 348، بحار الأنوار 41: 34 / 7.

[3]  ديوان المحاضر: 19.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة