كشكول الوائلي _ 78

img

من مظاهر تعطيل الحدود

ثم قال عليه السلام « فتُقام المُعَطَّلة من حدودك »، وهذه الحدود المعطّلة خلقت له مشكلة من أول أيام خلافته، وكم من الحدود كان معطّلاً ! كما هو الحال مع المغيرة بن شعبة الذي عطّل عنه الحد، ودُرِئ عنه بشكل أو بآخر. ولم يتمكن عليه السلام أن يغير من الواقع شيئا ؛ لأن تغيير الواقع يحتاج إلى وقت طويل، وإلاّ فإن المغيرة مثلاً كان نصب عينيه، لكن الخليفة الثاني هو الذي درأ عنه الحد[1]، والخليفة الثاني له منهجه، ومن الصعب على الإمام عليه السلام أن يغيّر المنهج بهذه البساطة التي نتصوّرها.

وهناك الكثير من المسائل التي أبقاها كما هي، فقد كتب إلى قضاته: « اقضوا كما كنتم تقضون؛ فإني أكره الاختلاف، حتى تكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي »[2].

فهو عليه السلام يقول لهم: أنا صاحب منهج، ولا أستطيع أن اُنفذ ما اُريد إلاّ أن أحمل الناس على منهجي، فأنا أحكم شعبا، ولا اُريد أن أحكمه بخلاف إرادته وإنما اُريد أولاً أن أطوّعه وأجعله يرتفع إلى مستوى الشعور بأن رأيي هو الأصوب، وأخلق عنده رأيا عامّا مواليا لي، وعند ذاك اُنفذ مبادئي.

عبيد اللّهبن عمر

ومن الحدود المعطلة ما كان يستحقّه عبيد اللّه بن الخليفة الثاني الذي قتل الهرمزان وشخصا آخر في المسجد انتقاما لقتل أبيه على يد رجل فارسي[3]. ولم يكن للهرمزان ذنب سوى أن أحد أبناء جنسه قتل الخليفة، في حين أن القرآن الكريم يقول:  ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [4]﴾. ولذلك لجأ عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب إلى معاوية أوّل مجيء الإمام عليه السلام إلى الخلافة[5].

وهناك من الأموال ماكان يعاقَب عليه بقطع اليد ؛ لأنها سرقت من بيت المال، وبُني بها البيوت، فراح يسترجعها وله في ذلك قوله المعروف: « واللّه لو وجدته قد تُزُوِّج به النساء ومُلِك به الإماء لرددته ؛ فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق »[6]. ولذا التحق الكثير من المتضرّرين بمعاوية، وكلّف هذا المنهج الإمام عليه السلامثمنا غاليا.

يتبع…

______________________

[1]  المسترشد في الإمامة: 223، الاحتجاج 1: 413، المصنّف ابن أبي شيبة 6: 56 / 3، شرح نهج البلاغة 12: 237 ـ 238، 20: 23، كنز العمّال 5: 452 / 13589، 7: 22 / 17776، الإصابة 3: 304.

[2]  تهذيب الأحكام 9: 259 / 970، صحيح البخاري 4: 208 ـ 209، المصنّف الصنعاني 11: 329 / 20677، الإحكام (الآمدي) 4: 9، شرح نهج البلاغة 7: 72، 14: 29، 19: 161.

[3]  السنن الكبرى 8: 61، وذكر فيه أن عبيد اللّه احتج بأنه رأى الهرمزان يدفع أبا لؤلؤة لقتل أبيه، فتح الباري 6: 189، شرح معاني الآثار ابن سلمة 3: 194، شرح نهج البلاغة 3: 59، 101.

[4]  الأنعام: 164.

[5]  شرح الأخبار 2: 13 / 401، بحار الأنوار 30: 373، الطبقات الكبرى 5: 17، شرح نهج البلاغة 3: 101.

[6]  نهج البلاغة / الكلام: 15.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة