شعراء القطيف (المرهون)

img

(8) الشيخ عبد اللّه‏ العوّى الخطّي (المتوفّى على التقريب سنة 1201)

هو العلاّمة الشيخ عبد اللّه‏ بن حسين بن درويش المعروف بالعوّى الخطي. آل العوى قبيلة معروفة من قبل بآل درويش، تسكن البحرين، فحدثت في تلك الظروف حوادث أدّت بهم كغيرهم إلى الترحّل إلى القطيف. وكان ذلك أواخر القرن الثاني عشر، فنزل والد المترجم حسين وعائلته بستاناً يقال له البشري الموجود حالياً، وكان بعيداً عن البلاد بأكثر من المتعارف بالنسبة إلى الدور المتقاربة، فكان أصحابه وجماعته وقومه وعمّاله الذين يعملون معه في الغوص إذا جاؤوا قد يسألون: إلى أين؟ فيقولون: إلى العوى. وكذا غيرهم من أهالي البلاد إشارة إلى المكان الذي لا تسكنه إلاّ العواوي ـ جمع عوّى، راجع عن معلوماته (حياة الحيوان) للدميري ـ فذهبتْ عليهم، ونسي الناس لقبهم الأول: (آل درويش). ويوجد مثل هذا كثير قديماً وحديثاً على أساس من أكثر من شيء عرف به، وقد يكون من غيره كما هو صريح هذه الحكاية.

وبعد سنيّات قلائل من نزول والده القطيف توفّي في حدود التاريخ المذكور، وخلف ولداً يدعى بالشيخ علي، نبغ نبوغاً باهراً في العلم والصلاح والتقى، واُسندت إليه في زمانه سائر المهمّات الشرعيّة، فكان أحد أعلام أوائل القرن الثالث عشر (تغمد اللّه‏ الجميع بالرحمة والرضوان). وخلف أيضاً أثراً قيّماً من المراثي لأهل البيت عليهم السلام نقتطف منه هاتين القصيدتين. في رثاء الحسين عليه السلام، الاُولى:

يا نفس عن طلب الأماني فاقصري *** وتذكري العقبى غداً وتبصّري

إن ما أردتي مخرجاً فيه النجا *** فتذكري فعل القبيح الأخطرِ

وتجاوزي عمل الذين تجاوزوا *** عن فعل ما يرضي إلهك واصبرِي

وتأمّلي ببصيرة لمن الهنا *** لمنعّم أبداً غداً أو مُسْعرِ

لا تشغلي بتذكر لمنازل *** أو اُنسِ أحباب خصصن بمضمرِ

أفما سمعت بوقعة مشهورة *** ثلمت عُرى دين النبي الأطهرِ

صدعت لقلب محمد من قبل ما *** ولد الحسين وقبل ما لم يكبرِ

كتبوا إليه صحائفاً قد ضمّنت *** طلب الرشاد ورشدهم منه بري

عجّل إلينا بالقدوم فإننا *** أمثال أرض مزنها لم يمطرِ

وأبوك حيدرة التقيّ إمامنا *** بحر العلوم أمير كل مؤمّرِ

فغدا يحثّ اليعملات مسارعاً *** والقصد هول مثله لم يذكرِ

حتى أتى أرض الطفوف بأهله *** والرحب منها ضائق بالعسكرِ

فنحا إليهم سائلاً ومناشداً *** ماذا الوقوف على مجاري الأنهرِ

قالوا له إن الأمير محرّم *** ورد الشطوط عليكمُ فتأخّرِ

قال اتقوا ربّ العباد فإنه *** من رام دون مراده لم يظفرِ

ما جئتكم حتى أتتنا كتبكم *** أني أمير الأكبرِ والأصغرِ

خلّوا سبيلي أرجعنّ لمأمني *** فالغدر حرفة عاجز مستفجرِ

فأجابه من فاته لطف الإلـ *** ـه بأنك المقتول حتماً فاقصرِ

إنا نزلنا كربلا حرصاً على *** أن تسكننّ بتربها للمحشرِ

كيف الخلاص وحشو رحب صدورنا *** أحقاد بدر والهرير وخيبرِ

ومضى يخبّر صحبه عما جرى *** ويبِين للأمر المهول الأكبرِ

هذي الطفوف وذي منازل كربلا *** أفلا ترون لسابقي لم يجسرِ

قد قال جدي هذه أوطاننا *** وبها تسيل دماؤنا كالأبحرِ

وبها تسام الخسف نسوة أحمد *** وبها تصيب الدين طعنة أكفرِ

لكنكم في الحل مني فارحلوا *** من قبل إبلاج الصباح المسفرِ

قالوا له أنت الصباح وسيره *** فيه الصلاح لعاقل متبصّرِ

ماذا نقول إذا أتينا أحمداً *** وأباك والزهراء عند الكوثرِ

تفديك يا نفس الرسول نفوسنا *** وأقلّ شيء أن تراق بمحضرِ

فاصدع بأمرك تحظَ قصدك عاجلاً *** وترَ الصحيح من القتال الأكبرِ

للّه‏ در نفوسهم لما علوا *** فوق السوابق والخيول الضمرِّ

فكأنهم فوق الخيول كواكب *** تسمو على مرّيخها والمشتري

وكأن خيلهُمُ رجوماً قد هوت *** رجماً لشيطان وكلّ مكفِرَّ

لم يحسبوا رشق النبال أذيّة *** كلاّ ولا طعن الرماح بمذعرِ

ولكم أبادوا من عصاة ذادة *** لبسوا الدروع وأقبلوا كالأنسرِ

لكن جيش الكفر بحر زاخر *** والنقص من قتلاه غير مؤثّرِ

حتى قضوا ما بين مشتبك القنا *** وبقي حسين مفرداً لم ينصرِ

فتنفّس الصعداء من حرّ الحشا *** والعين تهمي كالسحاب الممطرِ

ومضى إلى نحو النساء موصياً *** للاُخت زينب بالعليل الأصغرِ

وبفاطم وسكينة ورقيّة *** وصفيّة وبكلّ شخص أطهرِ

يا اُخت هذي نسوتي في كربلا *** أخشى عليها من غَشوم مجترِ

إني سأمضي للطغاة مبارزاً *** فإذا قُتلت فحولقي وتصبّري

لا تخمشي لا تلطمي لا تشْققي *** لاترفعي الصوت المصون وتنشري

قالت عزيز ياحسين علي أن *** ترد المنون بمسمعي وبمنظري

فأتت لملثمه الشريف وقبلت *** تدعوه يا كهف اليتامى الحيّرِ

كيف التبصّر والخطوب تحوطنا *** إذ حيط جسمك بالخيول الضمّرِ

هذي نساؤك ما لها من كافل *** أو راحم أو عاصم من مجترِ

قال اصبري يا اُخت إن نزل القضا *** ولَكلُّ شيء هالك فتذكري

قد شاء ربّك أن يرانا هكذا *** ما بين مأسور وبين معفّر

ومضى إلى سوق الممات مبايعاً *** للّه‏ نفساً بالنعيم الأوفرِ

فدعاهُمُ ياقوم كظّنيَ الظما *** بُلّوا غليلي من مياه الأبحرِ

قال ابن سعد عجّلوا لقتاله *** واسقوه سرعاً كأس حتف ممقرِ

فتبادروه بالسيوف كأنهم *** عطشى الطيور طلبن ورد الأنهرِ

كل يريد هلاكه ليفوز بالـ *** ـقربى من الرجس اللعين المفتري

فأتاهُمُ ليث الحروب فزُلزلوا *** زلزال خيبر من مغارة حيدرِ

رفعوا الأسنّة فانثنت مجرورة *** في جرّ عامله رؤوس العسكرِ

حتى تبدّد شملهم مثل المها *** أهوى عليها عطفه ليث جري

ما زال هذا دأبه حتى أتى *** داعي المنون بسهم رجس مفترِ

فهوى على البوغاء يفحص في الثرى *** والوجه مثل الساجد المتعفّرِ

وأتى إليه الشمر يركب صدره *** صدر المعالي من قديم الأدهرِ

ومضى إلى خيم النساء جواده *** بصهيله في سوء حال منكرِ

فإذا سكينة قد بدت من خدرها *** مشغوفة بلقا أبيها الأطهرِ

فخرجن ربّات الخدور من الخبا *** ينظرن للأمر المهول الأكبرِ

فإذا به يذري الدموع وسرجه *** متنكس من فوق ظهر مقفرِ

قالت له اُمّ المصائب زينب *** أين الحسين ملاذنا في الأدهرِ

فغدا يحمحم قائلاً يا زينب *** قتل الحسين وخطبه لم يذكرِ

فأتينه والشمر جاثٍ فوقه *** والسيف يغمد في فضاء المنحرِ

فزجرنه يا شمر خلِّ عمادنا *** إنّا نساءٌ بعده لم نخفرِ

كل تريد وداعه وتشمّه *** فيذودها الشمر الخبيث المفتري

فاحتزّ رأس السبط ظلماً من قفاً *** شلّت يداه من زنيم مجترِ

لهفي لزينب إذ رأته عافراً *** بالترب مخضوب المشيب بأحمرِ

تدعوه يا كهفي ويا سندي ويا *** ركني ويا نور العيون المبصرِ

قد قبّلتك حدود بيض اُميّة *** من بعد تقبيل البتولِ وحيدرِ

قلّ احتيالي يا أخي من بعدكم *** في نسوة أسرى وطفل أصغرِ

كيف السلوّ وجسمك السامي على *** حرّ الرمول عليه سافي العثيرِ

أسلوك مسلوب اللباس مجرداً *** ملقى طريحاً في الثرى لم تقبرِ

أسلوك مرضوض العظام بجردها *** من كلّ أفّاك زنيم مفترِ

لهفي لنسوان الحسين وقد غدت *** نهباً لكل مزنّم مستنكرِ

لهفي لها من بعد فقد حُماتها *** تُسبى كما تُسبى بنات الأصفرِ

لهفي لها إذ رُكبت فوق المطا *** من غير سترٍ روسها لم تسترِ

ورؤوس قتلاها تؤمّ وجوهها *** والشمر يحدوها بعنف مزجرِ

ولها حنين كالطيور بوكرها *** يدعو بعالي صوتها بتحسّر

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة