شعراء القطيف (المرهون)

img

(7) الشيخ يوسف أبو ذيب (المتوفّى سنة 1200)

هو أحد الأعلام الكبار، والشعراء العظام الذين تزيّن بهم القرن الثاني عشر. جاء ذكره في كثير من الدواوين والمعاجم، ومراثيه في الحسين عليه السلام تدلّ على عظيم عبقريته ونبوغة، فله فيه القصائد الرنّانة والملاحم العصماء المنقطعة النظير. وقد اخترنا منها الميمية والبائية، فسرح بريد نظرك فيها ترَ العبقرية الفذة.

فهو رحمه الله الشيخ يوسف ابن الشيخ عبد اللّه‏ ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد آل أبي ذيب، من آل المقلّد المنتسبين إلى قصي بن كلاب أحد أجداد النبي صلى الله عليه وآله ‏وسلم، وجاء في كتاب الطليعة ما نصه: « كان فاضلاً مشاركاً في العلوم، تقياً ناسكاً، أديباً شاعراً؛ جيّد الشعر، قوي الاُسلوب، ذا عارضة، وكان مفوّهاً حسن الخطّ. ورد العراق وأقام طالباً للعلم مع جماعة من آل أبي ذيب. توفّي في حدود سنة (1200) ». ومن جميل شعره:

حكم المنون عليك غالبْ *** غالبته أم لم تغالبْ

إلى آخرها، فراجعها بعد الميمية.

قال رحمه الله في رثاء الحسين عليه السلام:

نعَم آل نعْم بالغميم أقاموا *** ولكن عفا ربع لهم ومقامُ

حبست المطايا أسأل الركب عنهُمُ *** ومن أين للربع الدريس كلامُ

رعى اللّه‏ قلباً لا يزال مروّعاً *** يسيم مع الغادين حيث أساموا

على دمنتي سلمى بمنعرج اللوى *** سلام وهل يشفي المحبَّ سلامُ

خليليّ عوجا بي ولو عمر ساعة *** بحيث غريمي لوعة وغرامُ

على رامة لا أبعد اللّه‏ رامة *** سقاها من الغيث الملثّ ركامُ

لنا عند بانات بأيمن سفحها *** لبانات قلب كلّهن هيامُ

عشيّة حنّت للفراق رواحل *** وهاجت لترحال الفريق خيامُ

فلم أرَ مثلي يوم بانوا متيّماً *** ولا كجفوني مالهن منامُ

ولا كالليالي لا وفاء لعهدها *** كأن وفاها بالعهود حرامُ

فلم ترعَ يوماً ذمّة لابن حرة *** كما لا رُعي لابن النبي ذمامُ

أتته لأرجاس العراق صحائف *** لها الوفق بدء والنفاق ختامُ

ألا اقدم إلينا أنت مولى وسيّد *** لك الدهر عبد والزمان غلامُ

ألا اقدم علينا إننا لك شيعة *** وأنت لنا دون الأ نام إمامُ

أغثنا رعاك اللّه‏ أنت غياثنا *** وأنت لنا في النائبات عصامُ

فلبّاهُمُ لمّا دعوه ولم يزل *** يلبّي دعاء الصارخين كرامُ

فساق لهم غلباً كأنهُمُ على‏الـ *** ـعوادي بدور في الكمال تمامُ

مساعير حرب من لؤي بن غالب *** عزائمهم لم يثنهنّ زمامُ

هُمُ الصيد إلاّ إنهم أبحر الندى *** سوى أنهم للمجدبين غمامُ

ترامت بهم أيدي الجياد وطوّحت *** بهم للمنايا أنيق وسوامُ

معرّسهم فيها بعرصة كربلا *** أقام البلا والكرب حيث أقاموا

زعيمهُمُ فيها وقائدهم لها *** فبورك وضّاح الجبين همامُ

أبو همم من أحمد الطهر نبعها *** لها من عليصولة وصِدامُ

كأني به والفيلق اللجب حوله *** وكلّ لهام يقتفيه لهامُ

يعبي بقلب ثابت الجأش جيشه *** لخوض عباب شبّ فيه ضرامُ

ويرمي بهم زجّ المغاوير غارة *** كما زجّ من عوج القسيّ سهامُ

مدحّجة تغشى الوغى فكأنه *** على الهول للحرب الضروس لجامُ

فما برحوا كالاُسد في حومة الوغى *** لها اليزنيّات الرماح أجامُ

إلى أن تداعوا بالعوالي وشيدت *** لهم بالعوالي أربُع ومقامُ

بأهلي وبي أفدي وحيداً نصيره *** على الروع لدن ذابل وحسامُ

أبى أن يحلّ الضيم منه بمربع *** وهيهات ربّ الفخر كيف يضامُ

يصول كليث الغاب حين بدت له *** على سغب بين الشغاب نعامُ

يجرّد عزماً لو يجرّده على *** هضاب شمام ساخ منه شمامُ

وأبيض مصقول الفرند كأنه *** صباح تجلى عن سناه ظلامُ

وأسمر مثل الصلّ يُلوى بكفّه *** ونفثته في الزاغبية شامُ

حنانيك يا معطي البسالة حقها *** ومرخص نفس لا تكاد تسامُ

أهل لك في وصل المنية مطلب *** وهل لك في قطع الحياة مرامُ

وردت الردى صادي الفؤاد وساغباً *** كأن الردى شرب حلا وطعامُ

وأمسيت رهن الموت من بعد ما جرى *** بكفّك موت للكماة زؤامُ

ورضّت قراك الخيل من بعد ما غدت *** اُولو الخيل صرعى فهي منك رمامُ

فما أنت إلاّ السيف كهّم في الوغى *** حدود المواضي فاعتراه كهامُ

وليث تغشّاه المنون ونابه *** وظفراه فيه للدماء وشامُ

فليت أكفّاً حاربتك تقطّعت *** وأرجل بغي جاولتك جذامُ

وخيلاً عدت تردي عليك شوازباً *** عقرن فلا يلوى لهن لجامُ

اُصبت فلا يوم المسرّات نيّر *** ولا قمر في ليلهن يشامُ

ولا رفعت للدين بعدك راية *** ولا قام للشرع الشريف قوامُ

فلا المجد مجد بعد ذبح ابن فاطم *** ولا الفضل مرفوع إليه دعامُ

ألا إن يوماً أي يوم دهى العلا *** وحادثة يجثى لها ويقامُ

وقارعة شلّت من الدين مرفقاً *** على مفرق العاني حصى ورغامُ

غداة حسين والمنايا جليّة *** وليس عليها برقع ولثامُ

قضى بين أطراف الأسنّة والظبا *** بحرّ حشا يذكي لظاه اُوامُ

ومن حوله أبنا أبيه وصحبه *** كمثل الأضاحي غالهن حمامُ

على الأرض صرعى من كهول وفتية *** فرادى على حرّ الصفا وتوامُ

مرمّلة الأجساد مثل أهلّة *** عراهن من مور الرياح جهامُ

وتلك النساء الطاهرات كأنها *** قطاً بين أجراع الطفوف هيامُ

يطفن على شمّ العرانين سادة *** قضوا وهُمُ بيض الوجوه كرامُ

ويضربن بالأيدي النواصي تولّهاً *** وأدمعها كالمعصرات سجامُ

وتهوي مروعات بأروع أشمط *** طليق المحيّا إن تعبّس عامُ

عفير على البوغاء دامٍ وريده *** سُقي من يدي دهم الحوادث جامُ

فطوراً لها دور عليه وتارة *** لهن قعود عنده وقيامُ

وأعظم شيء أنها في مصابها *** وحشو حشاها حرقة وضرامُ

تقنعها بالأصبحية أعبد *** وتسلب منهن القناع لئامُ

حواسر أسرى تستهان بذلّة *** وليس لها من راحم فتسامُ

يطارحن بالنوح الحمائم في الضحى *** وأنّى فهل تجدي الدموع حمامُ

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة