شعراء القطيف (المرهون)

img

(3) الشيخ حسين العمران الموجود سنة ( 1065 )

هو الفاضل الورع الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عبد اللّه‏ بن عمران القطيفي. كان رحمه الله عالماً فاضلاً تقياً ورعاً، أحد شعراء أهل البيت عليهم السلام المعروفين، رثاهم بكثير من القصائد، رُئيت بخطّه الجميل الذي امتاز به. ومن المؤسف أننا لم نعثر على مصدر يزودنا بمعلومات عن حياته وعام وفاته، وأكثر ما أفادنا عنه أنه موجود في سنة (1065)، وعلى كل حال فهو أحد أعلام القرن الحادي عشر (تغمده اللّه‏ برحمته). وإليك ما اقتطفنا من شعره وردة فوّاحة يقولها رحمه الله في رثاء الحسين عليه السلام:

مرابعهم بعد القطين دواثرُ *** سقاها وحيّاها من المزن هامرُ

ولا زال معتلّ النسيم إذا سرى *** يراوحها في سيره ويباكرُ

وقفت بها أدعو النزيل فلم أجد *** سوى رسم دارٍ قد عفته الأعاصرُ

فناديت في تلك المعاهد والرُّبى *** ألا أين هاتيك الوجوه النواضرُ

عهدت بها قوماً كأن وجوههم *** مصابيحُ أمثال النجوم زواهرُ

فسرعان ما أودى بها حادث الردى *** ودارت على تلك الديار الدوائرُ

كأن لم تكن للمجد مأوى وللعلا *** محلاّ ولم يسمر بها قطّ سامرُ

لئن رحلوا عنها وشطّوا فقد بقي *** محامد لا تفنى لهم ومآثرُ

هُمُ القوم لا يشقى الجليس بهم ولا *** يفاخرهم في العالمين مفاخرُ

هُمُ القوم إن نودوا لدفع كريهة *** أجابوا صراخ المستغيث وبادروا

هُمُ منبع التقوى هُمُ منبع الهدى *** وفي أزمات الدهر سحب مواطرُ

إذا جلسوا يحبوا الجليس معارفاً *** وفي صهوات الخيل اُسد قساورُ

مساميح فياللأوا جحاجيح في الوغى *** مصابيح إذ ليل الضلالة عاكرُ

نجوم الهدى رجم العِدا معدن الندى *** لكفّ الأذى يدعوهُمُ من يحاذرُ

تخطّفهم ريب المنون فأصبحوا *** وللدهر ناب فيهِمُ وأظافرُ

وألقى عصاه في خلال ديارهم *** مقيماً كما ألقى عصاه المسافرُ

فهم بين مقتولٍ وبين محلّأ *** وبين أسير قد حوته المطامرُ

إليك ولكن هوّن الخطب وقعة *** تفطّر منه مهجة ومرائرُ

ويوم اُتيح الدين منه بفادح *** وعطّل أفلاك السماء الدوائرُ

وشقّت له الشمس المنيرة جيبها *** لعظم أسى واستشعرته المشاعرُ

ولا افتر ثغر الدهر من بعده أسى *** ودمع العلا من أجله متحادرُ

وصدع دعا الإسلام ليس بملتقٍ *** به طرفاه ما له الدهر جابرُ

مصاب ابن بنت المصطفى مفخر العلا *** ومن كرمت أحسابه والعناصرُ

كأني به في كربلا معْ عصابة *** لهم جنن من بأسهم ومغافرُ

مغاوير كالليث الغضوب جراءة *** مساعير نيران الحروب صوابرُ

يرون المنى خوض المنايا إلى الردى *** وقتلهم في اللّه‏ نعم الذخائرُ

فكم مارق اردوه في حومة الوغى *** وغودر في البوغاء رجس وغادرُ

إلى أن قضوا من بعد ما قصدوا القنا *** وفلّ من الضرب الدراك البواترُ

وحفت بسبط المصطفى زمر العِدا *** وقد شرعت فيه الرماح الشواجر

فظل يخوض الموت تحسب أنه *** هو الليث أو صقر إذا انقضّ كاسرُ

ويمشي إلى الهيجاء لا يرهبُ الردى *** وقد زاغت الأبصار بل والبصائرُ

فلم أرَ مكثوراً اُبيدت حماته *** بأشجع منه حين قلّ المظاهرُ

إلى أن ثوى لمّا جرى قلم القضا *** عليه وخانته هناك المقادرُ

فللّه‏ ملقى في الثرى متسنّماً *** على غارب العليا تطاه الحوافرُ

وللّه‏ عارٍ بالعرا تحسد السما *** به الأرض إذ ضمّته فيها مقابرُ

تنوح المعالي والعوالي لفقده *** وتبكي له عين التقى والمنابرُ

فيا كبدي حزناً عليه تفتّتي *** فما لك إن لم تتلفي فيه عاذرُ

ويا مهجتي ذوبي أسى لمصابه *** وياغمض عيني إنني لك هاجرُ

ويا أعين السحب اسعديني على البكا *** فدمعيَ من عظم الرزية غائرُ

ويانار أحشائي أذيبي لمهجتي *** فما هو في هذي المصيبة ضائرُ

سلوّيْ انتقِلْ جسمي انتحِلْ نوميَ ارتحِلْ *** فإني إذا نام الخليّون ساهرُ

غرامي أقم دمعي انسجِمْ صبريَ انصرِمْ *** فما قلبي المضنى من الوجد صابرُ

أيا راكباً من فوق كوماء جسرة *** تقصّر عنها في الوجيف الأباعرُ

أنخها على قبر النبيّ محمد *** وقل ودموع العين منك هوامرُ

ألا يا رسول اللّه‏ آلك قُتّلوا *** ولم ترعَ فيهم ذمّة وأواصرُ

وسبطك عين الكون أصبح ثاوياً *** على جسمه تعدو الجياد الضوامرُ

قضى ظمأ والماء للوحش منهل *** به وارد منهم وآخر صادرُ

وقد قتلت أبناؤه وحماته *** واُسرته في كربلا والعشائرُ

وكم تمّ في أرض الطفوف حرائر *** من النسوة الغر الكرام حرائرُ

وتلك العفيفات الذيول ذوي النهى *** براقعها مسلوبة والمعاجرُ

يجاذبها لكع لسلب ردائها *** فهن عقيب الصون أسرى حواسرُ

سوافر ما بين الورى بعد منعة *** ألا بأبي تلك الوجوه السوافرُ

إذا سلبت منها الأساور لم يكن *** لها بدلاً إلاّ القيود أساورُ

كأنهُمُ لما خرجن من الخبا *** ظباء من الاُسد العرين نوافرُ

مولّهة أكبادهن مروعة *** براقعها مسلوبة والمعاجرُ

ينادين بالزهراء سيدة النسا *** تعالي نقاسمك البلا ونشاطرُ

هلمّي فقد أودى بنا حادث الردى *** وقد حالفتنا المعضلات الفواقرُ

وكم بنت خدر كالهلال مصونة *** أكلّتها مهتوكة والسواترُ

تنادي أيا جدّاه ذلّ عزيزنا *** وحلّ بنا ما كان قبلُ نحاذرُ

إذا لم تكن لي أنت جاراً من الأذى *** وعوناً على الأيّام من ذا اُجاورُ

ربوع سروري أقفرت بَعد بُعدكم *** وما ربع لذّاتي وحقّك عامرُ

فلي بعدكم دمع غزير أصونه *** مخافة شمّات وداء مخامرُ

فما مقلتي بالمستطيعة للبكا *** فقد حرقت أجفانها والمحاجرُ

فهل لكم يا غائبين عن الحمى *** به أوبة يوماً فيسعد ناظرُ

فتنظر إذ يُسرى بنا فوق هزّل *** يحثّ بها عنفاً ويزجر زاجرُ

يسار بنا في البيد من غير كافل *** وليس لنا مما نحاذر خافرُ

وإن فتى ما بين كسرى وهاشم *** وأفضل من تثني عليه الخناصرُ

يقاد على رغم العلا نحو فاجر *** ويؤسر في قيد العنا وهو صاغرُ

ورأساً ثوى في حجر سيدة النسا *** تغني عليه المومسات العواهرُ

فيا نكبة ما إن ينادى وليدها *** لقد عزّ أشباه لها ونظائرُ

متى العلم المنصور يقدم خافقاً *** أمام إمام العصر والحقّ ظاهرُ

فقد  فاض بحر الجور وانطمست به *** معالم دين اللّه‏ فهي دواثرُ

ولم يبقَ إلاّ جاهل متصنّع *** يرى نفسه قطب العلا وهو قاصرُ

وإلاّ أخو مكر وخدنُ خديعةٍ *** وربّ نفاق أو خليل مكاشرُ

تحيرت في أمري فلم أدرِ ما الذي *** به أقتدي منهم ومن ذا اُعاشرُ

أيا حجج اللّه‏ العظام على الورى *** ومن بهُمُ تمحى الذنوب الكبائرُ

حسين بكم يرجو النجاة إذا أتى *** بكم عائذاً في ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ[1]

وللعفو يرجو عن أبيه واُمّه *** وإخوانه فالفضل وافٍ ووافرُ

عليكم سلام اللّه‏ ما ذرّ شارقوما *** ناح في أعلى الأراكة طائرُ

______________

[1]  الطارق: 9.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة