شعراء القطيف (المرهون)

img

(2) الشيخ جعفر الخطي (المتوفّى سنة 1028)

هو العالم الفاضل، أبو بحر شرف الدين الشيخ جعفر بن محمد بن حسن بن علي بن ناصر بن عبد الإمام العبدي من عبد القيس الخطي. أحد المشاهير، علاّمة فاضل من الصلحاء الأبرار، وكان ـ مع وفور تقواه ـ أديباً رقيقاً، وشاعراً مطبوعاً، جزل اللفظ، منسجم الاُسلوب قويّ العارضة، من شعراء أوائل القرن الحادي عشر، وأحد المعاصرين لمفخرة الشيعة الشيخ بهاء الدين العاملي. ورد عليه في أصفهان خلال زيارته لثامن الأئمة علي بن موسى الرضا عليه السلام ومدحه بقصيدة عصماء، وجاراه في رائيّته في مدح صاحب الزمان (سلام اللّه‏ عليه)؛ حيث اقترح عليه ذلك، فقال على البديهة، وفي مجلس البهائي:

هي الدار تستسقيك مدمعَها الجاري *** فسقياً فأجدى الدمع ما كان للدارِ

ولا تستضع دمعاً تريق مصونه *** لعزّته ما بين نُؤي وأحجارِ

فأنت امرؤ بالأمس قد كنت جارها *** وللجار حقّ قد علمت على الجارِ

إلى آخرها، وهي مماثلة لقصيدة البهائي التي مطلعها:

سرى البرق من نجد فجدّد تذكاري *** عهود بحزوى والعذيب وذي قارِ

له من الآثار المنشورة بين الناس ديوان شعره المشهور، نقتطف منه ما يخص الإمام الحسين عليه السلام:

معاهدهم بالأبرقين هوامدُ *** رزقن عهادَ المزن تلك المعاهدُ

ولولا احمرار الدمع لانبعثت لها *** سحائب دمع بالحنين رواعدُ

وقفت بها والوحش حولي كأنني *** بهن مليك حوله الجند حاشدُ

اُسرّح في أكنافها الطرف لا أرى *** سوى أشعت أشجته أمس الولائدُ

وإلاّ ثلاثاً كالحمائم جثّماً *** ونؤياً عفته الذاهبات العوائدُ

وأسألها عن أهلها وهي لم تحرْ *** جواباً وهل يستنطق العجمَ ناشدُ

لك الخير لا تذهب بحملك دمنة *** محاها البِلى واستوطنتها الأوابدُ

فما هي إن خاطبتها بمجيبة *** وإن جاوبت لم يشفِ ما أنت واجدُ

ولكن هلم الخطب في رزء سيّد *** قضى ظمأ والماء جارٍ وراكدُ

كأني به في ثلّة من رجاله *** كما حفّ بالليث الاُسود اللوابدُ

يخوض بهم بحر الوغى فكأنه *** لوارده عذب المجاجة باردُ

إذا اعتقلوا سمر الرماح وجرّدوا *** سيوفاً أعارتها البطون الأساودُ

فليس لها إلاّ الصدورَ مراكز *** وليس لها إلاّ النحورَ مغامدُ

يلاقون شدات الكماة بأنفس *** إذا غضبت هانت عليها الشدائدُ

إلى أن ثووا في الأرض صرعى كأنهم *** نخيل أمالتهن أيدٍ عواضدُ

اُولئك أرباب الحَفاظ سمت بهم *** إلى الغاية القصوى النفوسُ الأماجدُ

ولم يبقَ إلاّ واحد الناس واحداً *** يكابد من أعدائه ما يكابدُ

يكر فنيثالون عنه كأنهم *** مهاً خلفهن الضاريات شواردُ

يحامي وراء الطاهرات مجاهداً *** بأهلي وبي ذاك المحامي المجاهدُ

فماالليث ذو الأشبال هِيج على طوى *** بأشجع منه حين قلّ المساعدُ

ولا سمعت اُذني ولا اُذن سامع *** بأثبت منه في اللقا وهو واحدُ

إلى أن أسال الطعن والضرب نفسه *** فخرّ كما يهوي إلى الأرض ساجدُ

فلهفي له والخيل منهن صادر *** خضيب الحوامي من دماه وواردُ

فأي فتى ظلّت خيول اُميّة *** تعادى على جثمانه وتطاردُ

وأعظم شيء أن شمراً له على *** جناجن صدر ابن النبي مقاعدُ

فشلّت يداه حين يفري بسيفه *** مقلَّد من تُلقى إليه المقالدُ

وإن قتيلاً ميّز الشمر شلوه *** لأكرم مفقود يبكيه فاقدُ

لقىً بمحاني الطف شلواً ورأسه *** ينوء به لدن من الخطّ واردُ

ولهفي على أنصاره وحماتِه *** وهم لسراحين الفلاة موائدُ

مضمّخة أجسادهم فكأنهم *** عليهن من حمر الدماء مجاسدُ

تضيء بهم أكناف عرصة كربلاء *** وتظلم منهم أربُع ومشاهدُ

وإن أنسَ لا أنسَ النساء كأنها *** قطاً رِيعَ من أوكاره وهو هاجدُ

خوارج من أبياتها وهي بعدها *** لأرجاس حرب بالحريق مواقدُ

سوافر بعد الصون ما لوجوهها *** براقع إلا أذرع وسواعدُ

إذا هن سلّبن القلائد جُددت *** من الأسر في أعناقهن قلائدُ

وتُلوى على أعضادهن معاضد *** من الضرب إذ تبتزّ منها المعاضدُ

نوادب لو أن الجبال سمعنها *** تداعت أعاليهن فهي سواجدُ

إذا هنّ أبصرن الجسوم كأنها *** نجوم على ظهر الفلاة رواكدُ

وشِمن رؤوساً كالبدور تقلّها *** رماح كأشطان الركيّ موائدُ

تداعين يلطمن الخدود بعولة *** تصدّع منها القاسيات الجلامدُ

ويخمشن بالأيدي الوجوه كأنها *** دنانير أبلاهن بالحك ناقدُ

وظلن يردّدن المناخ كأنما *** تعلّم منهن الحمام الفواقدُ

فيا وقعة ما أحدث الدهر مثلها *** يبيد الليالي ذكرَها وهو خالدُ

لألبست هذا الدين أثواب ذلّة *** ترثّ لها الأيام وهي جدائدُ

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة