كشكول الوائلي _ 74

img

الدرداء ومعاوية

دخل أبو الدرداء يوما على معاوية فقال له: ما المبرر لك أن تشرب بآنية الذهب وقد حرّم الإسلام ذلك؟ فقال: أنا لا أرى به بأسا[1]. فما المبرّر لعلي أن يترك هذا في عمله؟ يقول أمير المؤمنين: « قد يرى الحوّل القُلّب[2] وجه الحيلة، ودونها مانع من أمر اللّه ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين »[3].

والغريب هنا أن بعض الكتاب لم يفهموا علي بن أبي طالب عليه السلام، ولا المسألة التي يعالجونها، فراحوا يقولون عنه: إن حياة هذا الرجل حدثت فيها أخطاء كان اللازم عليه ألاّ يعملها. ومن ذلك أنه ما كان ينبغي له أن يسارع إلى عزل ولاة عثمان حتى يستقرّ له الأمر.

وهذه ليست من الأخطاء، إنما هي من الالتزامات والمواقف التي يريدها الشرع ؛ لأن الشرع يريد ممّن يحكم باسمه أن يطبّق أوامره ونواهيه. وقد كان بوسع أمير المؤمنين عليه السلام أن يتركهم في أعمالهم، لكن ضميره لا يدعه يتركهم، والتزامه بأحكام اللّه وأوامر القرآن لا يعطيه مجالاً لأن يتصرّف هذا التصرّف. ولذا لم يقبل آراء المقترحين، وقال لهم: ليحدث ما يحدث، فأنا لست صاحب مصلحة، ولا اُريد أن اُحافظ على كرسي أجلس عليه، وإنما أريد أن اُطبق أحكام اللّه في الأرض.

جرير الشاعر

وكانت هذه من القضايا التي سبّبت حرجا لأمير المؤمنين عليه السلام، ولها نظائر من القضايا كثيرة، فمن هذه القضايا أن الحاكم اليوم مثلاً لو كانت عنده جريدة تخدمه، فتنشر له أخباره يوميا وتبرّر وجوده وتفخّمه وتعظّمه وتدعمه فكريا، فإنه يلتزمها وإن كانت باطلاً. والشعراء في عصر أمير المومنين عليه السلامكانوا صحفا سيّارة، فالشاعر يذود ويدافع ويبرّر ويحسّن ويقبّح، وللشاعر منزلة كبيرة، لكن إذا ارتكب الشاعر العصيان وشرب الخمرة، فما المبرّر لعلي عليه السلام ألاّ يقيم عليه الحد؟ وهذا ما حدث له عليه السلام مع جرير الشاعر المعروف، فقد كان يشرب الخمرة، وفي الوقت نفسه يريد عطاءً من أمير المؤمنين عليه السلاممن الحق الشرعي. والحق الشرعي لا يمكن أن يعطيه الإمام عليه السلاملمن يصرفه بالحرام، وهذا ما يذهب إليه المسلمون كلهم ؛ ففي ذلك إعانة على الإثم، فلم يكن الإمام مستعدا لأن يعطيه، فالتحق بمعاوية[4]. في حين أن غير علي بن أبي طالب يبحث عن ألف طريق لتبرير مثل هذه العمل.

يتبع…

_____________________

[1]  الجامع لأحكام القرآن 7: 392.

[2]  القلّب: البصير بتحويل الاُمور وتقليبها. مختار الصحاح: 164 ـ حول.

[3]  نهج البلاغة / الخطبة: 41.

[4]  حوار مع الشيعة الجبري: 203، السيف والسقيفة (الورداني): 126 عن بعض الكتاب، وانظر الدولة الاُموية (الخضري) 1: 288.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة