كشكول الوائلي _ 73

img

أن على صاحب الموقف الثبات على موقفه

ثم قالت الآية الكريمة:  ﴿وإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَك عن الذي أوحَينا إليك ﴾، أي كادوا لَيزيلونك عن موقفك. فالآية الكريمة تقول له: إن الإنسان موقف، وأنت تُعلّم الناس المبادئ، وأهمّ هذه المبادئ أن الإنسان إذا آمن بقضيّة فلا ينبغي له أن يتزلزل عن موقفه إزاءها. وهؤلاء يحاولون أن يزلزلوك عن موقفك ؛ فعليك أن تبقى صامدا عليه.

علي بغير الولاة

ومن تطبيقات هذا المعنى أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حينما وصلت إليه الخلافة جاءه جماعة من الرؤوس البارزة، حتى من شيعته، فطلبوا منه ألاّ يغيّر العمال والولاة من قبل عثمان، ولا يحرّكهم الآن، وأن يتركهـم حتى يسـتقرّ الوضع وتأخذ الاُمور نصابها ؛ فإنهم إن عرفوا غير مستعدّين للتنازل عن هذه الأمكنة والمناصب التي وصلوا إليها، فهم وصلوا إلى أمكنة ما كانوا يحلمون بها. وأن هؤلاء ليسوا مثل أمير المومنين  عليه السلام في نظرتهم للدنيا، فقد وصلوا إلى الكرسي، فملكوا الأموال وحازوها، ونالوا الإمارات، فإن شعر أحدهم أنه سوف يُزال عن سلطان فسيخلق ألف مشكلة[1].

وقد يكون هذا الرأي من الوجهة السياسية ممكنا، وله حصة من الصواب، لكن الإمام عليا عليه السلام يتصرّف وفق أحكام الإسلام، وهو عليه السلام إسلام يمشي على الأرض. فقال عليه السلام لهم: « أمّا طلحة والزبير فسأرى رأيي فيهما، وأمّا معاوية فلا واللّه لا أراني مستعملاً له ولا مستعينا به مادام على حاله﴿وَمَا كنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدا [2]، ولكن أدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبى حاكمته إلى اللّه »[3].

فهو عليه السلام يقول لهم: ما المبرر لأن أترك أحدا يعصي اللّه ويشرّع في مقابله؟ فأنا أحكم باسم القرآن، ولا بدّ أن اُطبّق القرآن، وهو يقول:  ﴿وَلاَ تَرْكنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكمُ النَّارُ وَمَا لَكمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [4]﴾، ويعطيني حدودا هي أن اُعطي الأمر إلى من يستحقّه، وهؤلاء ليسوا مستحقّين من وجهة نظر الشرع، فكيف تطلبون مني أن أدعهم؟

يتبع…

_______________________

[1]  ومن هؤلاء المغيرة الذي انصرف مغاضبا لمّا رفض الإمام عليه السلامالانصياع خلف أهوائهم في تثبيت معاوية في ملكه، وجعل ينشد:

نصحت عليّا في ابن هند مقالة *** فرُدَّت فلا يسمع لها الدهرَ ثانيهْ

وقلت له أرسل إليه بعهده *** على الشام حتى يستقرّ معاويهْ

ويعلم أهلُ الشام أن قد ملَكته *** واُمُّ ابن هند عند ذلك هاويهْ

فلم يقبل النصح الّذي جئته به *** وكانت له تلك النصيحة كافيهْ

مروج الذهب 2: 391.

 ويروى أن المغيرة قال لابن عبّاس رضي الله عنه فيما بعد في مجلس معاوية: واللّه لقد أشرت على عليِّ بالنصيحة، فآثر رأيه، ومضى على غلوائه، فكانت العاقبة عليه لا له. فقال له ابن عبّاس: كان واللّه أمير المؤمنين عليه السلامأعلم بوجوه الرأي ومعاقد الحزم وتصريف الاُمور من أن يقبل مشورتك فيما نهى اللّه عنه وعنّف عليه، قال سبحانه:  لا تَجِدُ قَوما يُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كانَوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهَم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم  [ المجادلة: 22 ]. ولقد وقفك على ذكر مبين، وآية متلوَّة قوله تعالى: وَمَا كنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدا . وهل كان يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين وفيء المؤمنين من ليس بمأمون عنده، ولا موثوق في نفسه؟ هيهات هيهات، هو أعلم بفرض اللّه وسنّة رسوله من أن يبطن خلاف ما يظهر إلاّ للتقيّة، ولات حين تقيّة مع وضوح الحقّ، وثبوت الجنان وكثرة الأنصار، بل يمضي كالسيف المصلت في أمر اللّه، مؤثرا لطاعة ربّه، والتقوى على آراء أهل الدنيا. بحار الأنوار 42: 170، شرح نهج البلاغة 6: 301.

[2]  الكهف: 51.

[3]  مروج الذهب 2: 391.

[4]  هود: 113.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة