كشكول الوائلي _ 67

img

الإخلاص

يؤتى يوم القيامة بأحد العلماء البارعين، وهو يقول: يا رب، أنا كتبت وألّفت في سبيل دينك. فيقول له اللّه عز وجل: لا ولا كرامة لك، إنك إنما صنعت ذلك ليكثر خلفك خفق النعال، خذوه إلى النار. ويأتي آخر فيقول: يارب أنا بذلت في سبيلك، وأعطيت وأكرمت ووصلت، وكلّ ما عندي من أموال أعطيتها. فيقول له اللّه تعالى: لا ولا كرامة لك، إنما صنعت ذلك لكي يقال: إنك جواد، خذوه إلى النار. ويأتي ثالث فيقول: يا رب، أنا قد أخذت سيفي وقاتلت وجرحت، وقتلت في سبيلك. فيقول له اللّه تعالى: لا ولا كرامة لك ؛ لأنك أردت أن يقال لك: إنك شجاع.

أما الأنبياء عليهم ‏السلام فلا يتداخل في سلوكهم عامل إضافي إلى جانب العبادة في أي نمط من أنماط سلوكهم، فكلّ السلوك الذي عندهم سلوك عبادي المقصود به وجه اللّه:

وما ثمّ إلا اللّهُ في كلّ حالةٍ *** فلا تعتمدْ يوماً على غير لطفِهِ[1]

حكم القنوت والهدف منه

وهذا يجرّنا إلى السؤال التالي: ما حكم القنوت في الصلاة؟

الجواب: عند بعض المذاهب الإسلامية وهم الأحناف[2] والحنابلة[3] أنه لا يصحّ إلاّ بالوتر، فلا يصحّ القنوت إلاّ في هذه الركعة، فالقنوت في الوتر فقط. أما عند المالكية[4] والشافعية[5] فليس كذلك، وإنما يُقنت في صلاة الصبح من بعد ما يرفع المصلّي رأسه من ركوع الركعة الثانية. أما عند الإمامية فهو مستحب في الصلوات[6].

وهناك سؤال آخر هو: ما الهدف من القنوت؟

والجواب: هو أننا الآن في طاعة اللّه، ونحن واقفون في الصلاة بين يدي اللّه عز وجل وفي طاعته، لكن اللّه عزّ وجل يريد أن يعطي، وعندما يعطي فإنه يريد من عبده أن يسأل، فيجب ألاّ نسأل إلاّ اللّه ؛ لأنه يقول عن عبده: « إن دنا مني شبراً دنوت منه ذراعا، وإن دنا مني ذراعا دنوت منه باعا »[7]، ويقول: « مَنِ استطعمني فلم اُطعمه؟ ».

أي أنه تعالى يقول: إذا طلب أعطيته. والكرم نوعان: نوع تطلبه أنت، ونوع هو يطلبه من عندك أي أنه يطلب منك أن تسأله كي يعطيك ؛ لأنه معطاء يريد أن يعطي؛ فلذا هو يريد من يسأل. يقول أحد شعرائنا:

إني دعوت ندى الكرامِ فلم يُجبْ *** فلأشكرنّ ندىً أجابَ وما دُعيْ

ومن العجائبِ والعجائبُ جمةٌ *** شكرٌ بطيءٌ عن ندىً متسرّعِ[8]

وفي الواقع إن القنوت هو دعوة إلى اللّه تعالى.

وقد يتساءل البعض فيقول: لماذا نُدير الخاتم، ونوجه فصّه للسماء، وبعد ذلك نرفع أيدينا إليها ثمّ نرفع رؤوسنا، والحال أن اللّه عز وجل في كلّ مكان، لا يخلو منه مكان:  ﴿مَا يَكونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ [9]﴾؟

الجواب: لأن السماء باب الدعاء، والآية الكريمة تقول:  ﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الكلِمُ الطَّـيِّبُ [10]﴾ وليس لأن اللّه عز وجل بجهة حاشا، فالكون كله بقبضته، وهو تبارك وتعالى لا يخلو منه مكان، ولا يحويه مكان:  ﴿فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [11]﴾.

إذن هذا القنوت هو لون من ألوان الدعاء، فالإنسان إنما يعبد حينما يدعو ؛ لأن الدعاء بحدّ ذاته عبادة، كما أن واقع الداعي هو الشعور بالنقص، وطلبٌ لإكمال النقص من الكامل، فأنا عندما أقول: ربي عافني، فلأني أمرض، وأعرف أنني عندما أمرض لا يعطيني العافية إلاّ اللّه عز وجل ؛ فلذلك أنا أطلب إكمال هذا النقص من الكامل، وإلاّ لو كان يمرض مثلي فما الفائدة؟ إن طلبي يصبح حينها عبثا.

يتبع…

___________________________

[1]  لأمير المؤمنين عليه‏السلام بيتان قريبان من هذا: لَعَمْـرُك مَـا الإنْسَـانُ إِلاَّ بِدِيْنِهِ فَلاَ تَتْرِك التَّقْوَى اتِّكالاً عَلَى النَّسَبْ فَقَدْ رَفَـعَ الإِسْـلاَم سَـلْمَانَ فَارِسٍ وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْك الشَّرِيْفَ أَبَا لَهَبْ.
ديوان الإمام علي بن أبي طالب عليه‏ السلام: 28.

     وروي صدر البيت الأول هكذا:

عليك بتَقوى اللّهِ في كلِّ حالةٍ

تاريخ مدينة دمشق 67: 173.

[2]  المبسوط 1: 165، تحفة الفقهاء 1: 203.

[3]  المغني 1: 788.

[4]  مواهب الجليل 2: 243.

[5]  فتح العزيز 3: 440، المجموع شرح المهذب 3: 494، 504، 4: 24، روضة الطالبين 1: 432.

[6]  الرسائل العشر ابن فهد: 159، مدارك الأحكام 3: 19.

[7]  أمالي المرتضى 2: 6، الدعاء الطبراني: 523.

[8]  شرح نهج البلاغة 18: 184.

[9]  المجادلة: 7.

[10]  فاطر: 10.

[11]  البقرة: 115.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة