كشكول الوائلي _ 66

img

شروط الإمامة

وفعلاً كان عليه ‏السلام كذلك فيما يحمل من قيم وأخلاق وبطولات. وهذا المعنى هو الذي يذهب إليه الكثير من المحقّقين، وهو سليم ووجيه. ولذلك يشترطون في الإمام شروطا هي أن يكون أعلم الناس وأعدلهم وأورعهم، مع أن بعض الناس يقولون: من أين لكم هذا؟ إنْ هذا إلاّ كلام خيالي.

والجواب: أننا لا نعطي الإمام شيئاً فوق مستوى الطبيعة البشريّة، وهذا الغلط يوجد عند بعض الكتاب، فيتهموننا بأننا نغالي، والحال أننا لا نغالي أبداً، لكن لا نُنقص الإنسانية حقّا من حقوقها. فالإنسانية فيها قابلية للسمو الذي لا حدود له، انظر إلى هذا الإنسان العادي، تجد أن من الممكن أن يصير بمستوى أكبر من مستوى الملائكة، ومن الممكن أن يكون بمستوى أحطّ من مستوى الشيطان ؛ فهو يمتلك قابلية للهبوط وللارتفاع. ونحن إنما نقول في الإمام ما هو في حدود الطبيعة البشرية، أما إذا خرج ما يقال فيه عن الطبيعة البشرية فهنا يصبح غلوّا، ونحن نرفض الغلوّ والغلاة، فالمغالي لا نزوّجه، ولا  نغسله ولا  ندفنه إذا مات[1]، بل نحن نخرج الغلاة من حضيرة  الإسلام[2]. فنحن لا نغالي في الأيمّة، ولا نعطيهم إلاّ ما تتّسع له طبيعتهم البشرية في أرقى صورها ؛ إذ أن الإمام في الذروة، وهو بشر في الذروة، فإن أعطاه أحد صفات غلوّ فإننا نأباها ونرفضها أشدّ الرفض، وقد مرّ الإمام أمير المؤمنين عليه‏السلامفي شهر رمضان، فرأى جماعة جالسين يأكلون، فقال لهم: « أنتم على سفر فتستعملون هذه الرخصة؟ ». قالوا: لا. قال لهم: « مرضى؟ ». قالوا: لا. قال: « لماذا تأكلون في شهر رمضان؟ ». فقالوا له: أنت.. أنت. فقال: « من أنا؟ ». قالوا: أنت إله (والعياذ باللّه). فنزل الإمام من على راحلته، ومرّغ خدّه على التراب، وقال لهم: « أنا عبد من عبيد اللّه، واللّه إن لم ترتدعوا لأضرمن عليكم نارا »[3].

وكان الإمام الصادق عليه‏ السلام يجلس في مجلسه ويلعن أبا الخطاب ويتبرّأ منه[4] ؛ لأن هذا قد اتّخذ الغلو وسيلة لمنافعه.

وهناك الكثير غيره من الغلاة في تاريخ الأيمّة عليهم‏السلام، وكانوا عليهم ‏السلام يلعنونهم في مجالسهم ويتبرؤون منهم، يقول الإمام الصادق عليه ‏السلام: « واللّه ما نحن إلاّ عبيد الذي خلقنا »[5]. أي نحن ناس عبيد، لكن نزهونا عن النواقص، ولا تصعدوا بنا إلى أكثر من مستوى البشر.

إذن معنى أن إبراهيم عليه ‏السلام كان اُمّةً، أنه كان ذروة بجميع ما تتسع له الطبيعة البشريّة، واللّه عز وجل يعطي الطبيعة البشرية بما تتسع إليه من مزايا، فهو تعالى يسلّح الإمام أو النبي صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله بجميع الإمكانات التي تتّسع لها طبيعته البشرية.

يتبع…

___________________

[1]  البيان: 24، 28، ذخيرة المعاد 2: 327 حجري.

[2]  المعتبر شرح المختصر 1: 198، منتهى المطلب 1: 152، بل إن بعض فقهائنا يحكمون بنجاستهم، انظر: شرائع الإسلام 1: 11 ـ 12، إيضاح الفوائد 1: 26، وبعدم جواز أكل ما يذكون، انظر: قواعد الأحكام 3: 318، إيضاح الفوائد 4: 127، وبعدم توريثهم، انظر تحرير الأحكام 2: 171 حجري.

[3]  اختيار معرفة الرجال 1: 288 / 128، فتح الباري 6: 106، 12: 238، شرح نهج البلاغة 5: 5، 8: 199، ولم يذكروا طرف القصة.

[4]  قال الصادق عليه ‏السلام: « ملعون ملعون من أخّر المغرب طلبا لفضلها ». فقيل له: إن أهل العراق يؤرون المغرب حتى تشتبك النجوم. فقال عليه ‏السلام: « هذا من عمل عدوّ الله أبي الخطّاب ». من لايحضره الفقيه 1: 220 / 661.

     وقال عليه ‏السلام: « أبرأ إلى الله ممّا قال فيّ الأجدع البراد عبد بني أسد أبو الخطّاب لعنه الله ». بحار الأنوار 25: 290.

[5]  اختيار معرفة الرجال 2: 419 / 403، بحار الأنوار 25: 289.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة