كشكول الوائلي _ 65

img

حمل ستة أشهر

وقد حدث في أيام الخليفة الثالث أن امرأة ولدت لستة أشهر فأمر برجمها، وكانت اُختها إلى جانبها، فراحت تبكي، فقالت لها: اُخية، اللّه يعلم أنه ما دنا إلي أحد سواه، واعلمي أنني سوف أخاصمهم عند اللّه. فلما أخذوها ليرجموها جاء أمير المؤمنين عليه‏ السلام فقال لهم: « ما الخبر؟ » فأخبروه، فقال: « أرجعوها ». فذهبوا ليرجعوها فوجدوها قد رجمت. فقال: « لا حول ولا قوة إلاّ باللّه ». ثم قال لعثمان: « إن هذه لو خاصمتك بكتاب اللّه لخصمتك، أما قرأت قوله تعالى﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا ، وقوله تعالى﴿وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أرَادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ؟».

وهذه الرواية لا يرويها الشيعة[1] فقط وإنما يرويها السنة أيضا، ومن أحب أن يتأكد فليراجع (الدر المنثور)[2] للسيوطي في شرح هذه الآيات. كما يذكرها أكثر من مؤرخ[3] منهم.

والتصدي للفتوى بلا علم من البلايا التي ابتلينا بها، فالناس عادة يتصورون أن من يُحسب على الدين هو من أهل الفتوى والعلم. والواقع أنه ليس كذلك وإنما هناك الكثير من الدجالين الذين ليسوا من أهل العلم، وليس من شأنهم الفتوى، وسوف يحاسب اللّه تعالى هؤلاء أشد الحساب. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه ‏السلام لابنه الإمام الحسن عليه ‏السلام: « اهرب من الفتيا هربك من الأسد »[4].

فالفتوى ليست من الاُمور السهلة، فهي توجّه المجتمع، فهي لابدّ أن تكون وتصدر ممّن عانى وحصَّل ملكة الإفتاء التي لا ينالها إلاّ ذو حظّ عظيم، يقول تعالى:  ﴿آللّهُ أذِنَ لَكمْ أمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ [5]﴾، ويقول عن النبي صلى‏ الله ‏عليه ‏و‏آله:  ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِينِ * ثُمَّ لَـقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ [6]﴾. وقد أمرنا الله تعالى أن نسأل أهل الذكر[7] وهم بيت النبوة[8] وعدل الكتاب[9].

وفي التأريخ الكثير من الفتاوى التي لم تصدر عن علم، أو  أن مهمتها التفريق بين المسلمين وضرب وحدتهم، أو أن من ورائها بارقا من بوارق الطمع، فقد أفتى الشيخ نوح الحنفي في حلب مثلاً بإباحة دماء الشيعة، وباستحلال فروج نسائهم، ونهب أموالهم[10]. وقد بقيت هذه الفتوى إلى الآن تمزق المسلمين وتعبث بالتأريخ.

كما أنني كنت مثلاً اُجلّ الفقيه أبا يوسف القاضي، ولكنني وجدت العلماء يروون عنه أن زبيدة استفتته في مسألة فأفتاها بما تحب.

المهدي والطيور

وقد استفتى الخليفة المهدي أحدهم في اللعب بالطيور فأفتاه بالجواز، فسئل عن الدليل فقال: يقول النبي صلى‏ الله ‏عليه‏ و‏آله: « لا سبق إلاّ في خف أو حافر أو نصل »[11] أو ريش. أي أنه أضاف إلى الحديث الشريف عبارة (أو ريش)، فلما خرج هذا المفتي من المجلس ضحك المهدي وقال: لم يكن في الحديث كلمة « ريش »، لكنه أتى بها ليرضيني[12].

فأقل مدّة الحمل هي ستة أشهر، أما أكثرها فهي أحد عشر شهرا[13]. ولكن المصيبة الدهماء أن هناك من يقول: إن الحمل يمكن أن يبقى في البطن ثمانية عشر عاما ! ولو أن أحدا مات وجاءت امرأته بولد بعد ثماني عشرة سنة فالولد له ! ولو كانت هذه النظريات عندنا لانقلبت الدنيا على رؤوسنا. بل هناك من يذهب إلى بقائه عشرين سنة. ومن أراد المزيد عن هذا الموضوع فليراجع (المغني)[14] لابن قدامة.

ومن البلايا أن يتدخّل المرء في غير تخصّصه، فالفقيه ينبغي ألاّ يتدخّل في الاُمور الطبية أو ذات الطابع العلمي الذي لا علاقة له بالفقه. فهو يشخّص الحكم، أما الموضوع فقد يكون من اختصاصه إذا كان فقهيا أو اجتماعيا، وإلاّ فعليه أن يتركه لغيره.

يتبع…

_____________________

[1]  الصراط المستقيم 2: 11، 17 ـ 18.

[2]  الدر المنثور 1: 288، 6: 40.

[3]  المصنّف الصنعاني 7: 349 ـ 350/13443، 7:350 ـ 351/13444، مع عمر بن الخطاب، أحكام القرآن 3: 517، المغني 10: 193، وقد نسبها في تاريخ المدينة 3: 978 لابن عباس.

[4]  بحار الأنوار 1: 226 / 17.

[5]  يونس: 59.

[6]  الحاقة: 44 46.

[7]  في قوله تعالى: فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكرِ إنْ كنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . النحل: 43.

[8]  انظر: الكافي 1: 210 ـ 212 / باب أن أهل الذكر هم الأيّمة عليهم‏السلام، جامع البيان، المجلد: 10 ج17: 8، شواهد التنزيل 1: 435 ـ 346 / 463 ـ 464، تفسير القرآن العظيم 2: 591.

[9]  وهو ما أوصى به النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في حديث الثقلين بقوله: « إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، ولقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». فضائل الصحابة أحمد بن حنبل: 15، 22، مسند أحمد 3: 14 وغيرها، سنن الدارمي 2: 432، وغيرها.

[10]  خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 2: 159، الكنى والألقاب 2: 331. وهو نوح بن مصطفى الرومي الحنفي نزيل مصر ت 1070ه / 1660م، وكان مفتي قونية. سكن القاهرة وتوفي فيها. الأعلام 8: 51.

[11]  الكافي 5: 49 / 6، مسند أحمد 2: 474.

[12]  تاريخ الخلفاء السيوطي: 275.

[13]  وقد مرّ في ص31، الهامش:1 أنها سنة.

[14]  المغني 9: 116 ـ 117، وانظر: مغني المحتاج 3: 390، مواهب الجليل 5: 115، البحر الرائق 4: 265.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة