كشكول الوائلي _ 63

img

المغيرة والانغماس في رذيلة الزنا

ثمّ إن الزواج أنواع، فإذا كان الرجل غير ملتزم أو المرأة غير ملتزمة فهنا يحقّ لنا ألاّ نزوّج هذا من تلك، أو هذه من ذاك، أما إذا كانت المرأة فقيرة أو كان الرجل فقيرا ليس لهما رصيد مالي، فليس هذا عيبا فيهما. وللشاهد التاريخي نذكر أنه يروى أن المغيرة بن شعبة كان واليا على الكوفة، وكان منحلاًّ متساهلاً في اُمور الدين، ومن باب الشيء بالشيء يذكر أن أحدهم وقف على قبره بعد دفنه فقال:

أمن رسم دار للمغيرة تعرف *** عليها زواني الجنّ والإنس تعزفُ

فإن كنت قد لاقيت هامان بعدنا *** وفرعون فاعلم أن ذا العرش منصفُ[1]

النساء أربع

وكان المغيرة قد خرج في يوم من الأيام يتمشى بين الكوفة والنجف، فرأى أعرابيا فطلب من غلامه إحضاره، فلما أحضره سأله المغيرة: من أين أقبلت. قال: من السماوة ـ والمقصود بها بلدة بين العراق والشام في الهضبة، وليست هذه المدينة المعروفة حاليا ـ فقال له: كيف خلّفت الأرض خلفك؟ قال: عريضة أريضة. قال: كيف خلفت المطر؟ قال: ملأ الحفر وعفّى الأثر. قال: عندي سؤال، اُريدك أن تخبرني عن أصناف النساء. فقال: النساء أربع: جميع مُجمع، وربيع مُربع، وغلّ لا يُنزع، وشيطان سمعمع. فقال له: فسّر لي، فأنا لا أفهم ذلك. فقال الأعرابي: أما الجميع المُجمع، فهي المرأة التي تتزوّجها من أجل حسبها ونسبها. وهذا زواج مصلحة، فأنت تنظر إليها لأنها ابنة فلان، فتجمع نسبك إلى نسبها.

وأما الربيع المُربع، فهي المرأة التي إن دخلت البيت ضحكت في وجهك، وإن خرجت حمدتك في عقبك، وكلّ اُمورك موفّرة عندها، وكلّ حاجاتك مقضيّة منها. تقوم لك مقام الربيع، فالأرض تهتزّ بالنبات في الربيع.

وأما الغلّ الذي لا يُنزع، فهي ابنة عمك، وأنت لا تشتهيها وهي كذلك لا تشتهيك، لكن التقاليد تحكم بذلك. وطبعا إن هذا الإجبار خطأ لأن العقد لا ينعقد هنا؛ إذ أن من شروط صحّته الرضا، فإذا تخلّف هذا الشرط تخلّف المشروط؛ لقاعدة أن المشروط عدم عند عدم شرطه[2]، فعليه يكون أولادهما أولاد زنا.

وأما الشيطان السمعمع، فهي المرأة التي إن دخلت كلحت بوجهك، وإن خرجت ولولت بدبرك، وحوائجك غير موفّرة عندها واُمورك غير مقضية منها. تأكل زادك وتنمك لجيرانك.

قال المغيرة: نِعم ما تقول، لكن عندي سؤال آخر. قال: نعم. قال:
أتعرف عامل المدرة؟ والمدرة منطقة. قال: لا أعرفه، لكنّي سمعت عنه. قال: ما سمعت عنه؟ قال: أعور زانٍ. فقال له غلام المغيرة: ما صنعت؟ إنه العامل. فقال الأعرابي: قُل الحقّ ولو على نفسك. وركب جواده وذهب[3].

فموضع الشاهد أن النساء أربع، فهناك زواج من هذا اللون وهو أن هذه ابنة فلان وهذا الزوج لا يناسبها، مع عدم ملاحظة واقع الانسجام والتقارب والأخلاق والقيم التي يجب أن تخيّم على الاُسرة بعيدا عن الأنساب وبعيدا عن الألقاب. فعامل الأخلاق هو الذي يجب أن يكون عقبة لا عامل المادة والمال؛ لأن القرآن يقول:  ﴿إنْ يَكونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ [4]﴾. فمن الذي دخل الدنيا وهو مكلّل بالذهب؟ ومن الذي خرج منها وهو مكلّل به؟قال تعالى:  ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كمَا خَلَقْنَاكمْ أوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكتُمْ مَا خَوَّلْنَاكمْ وَرَاءَ ظُهُورِكمْ [5]﴾، فمن دخل الدنيا دخلها عُريانا وهو كذلك سيخرج عُريانا وينام على التراب:

فكم كومةِ للتربِ من بعدِ كومةٍ *** معلمةٍ هذا الزعيمُ وذا الهادي

فذو الزهو خلّى الزهوَ عنه وقد مضى *** وظلت على الغبرا سيادةُ أسياد

أعقباك يا دنيا قميصٌ وطمرةٌ *** بصفرةِ أرضٍ من خراباتِ زهّادِ

فالعقبة الأساس هي عدم الخلق وعدم الدين، أما عقبة المال فليست عقبة حقيقية، وكذلك عقبة النسب فهي ليست عقبة حقيقية أيضا: « كلّكم لآدم وآدم من تراب »[6].

يتبع…

_______________________

[1]  مروج الذهب 3:  35، وفيه: دويّ، بدل: زواني، شرح نهج البلاغة 4: 71.

[2]  انظر: مبادئ الوصول: 98، المجموع شرح المهذّب 4: 73.

[3]  شرح نهج البلاغة 12: 24، وليس فيه: عامل المدرة، بل إن هذه العبارة وردت في قصة ملاقاة المغيرة مع هند بنت النعمان بن المنذر بعد أن ترهّبت. انظر مروج الذهب 3: 35.

[4]  النور: 32.

[5]  الأنعام: 94.

[6]  تحف العقول: 24، كنز العمّال 16: 459 / 45427.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة