كشكول الوائلي _ 58

img

أبوالدرداء ومعاوية

تنازع أبو الدرداء يوما مع معاوية؛ لأنه كان يركب على السروج المحلاّة بالذهب ويشرب بآنية الذهب ويبيع الذهب مصنوعا بأكثر من ثمنه موزونا، فقال له: إن الإسلام حرّم هذا. فقال معاوية: أنا لا أرى به بأسا. فقال أبو الدرداء: اللّه‏ يحرّمه وأنت لا ترى به بأسا! فهل أنت مشرّع؟ ثم تركه وخرج من الشام[1] .

ويعزّ علينا أن نصرّح بحقيقة أن بلداننا الإسلاميّة في الوقت الحاضر هي هكذا، تضع التشريعات مقابل تشريع اللّه‏ وتعمل بها، وتقول: إن هذه التشريعات أفضل. انظر إلى نشاطاتنا الاقتصاديّة، فهي لا تقوم على أساس الشريعة الإسلامية؛ لا العمل ولا التجارة بل وحتى ممارساتنا اليومية داخل الاُسرة. ((وَمَا يُؤْمِنُ أكثَرُهُمْ بِاللّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكونَ [2])).

فالمسلم يقول: «لا إله إلاّ اللّه‏»، لكنك تجد عنده ألف إله من عواطفه وغرائزه وممارساته، يعبدها ولا يلتفت إلى أنه يعبد غير اللّه‏. فنحن نبتعد عمّا رسم اللّه‏ لنا في ممارسات وجوانب كثيرة من حياتنا. وفي الوقت نفسه نطلب من اللّه‏ الرحمة. انظر إلى القمّة في الوقاحة، نحن نعصيه بما مكننا من الانتفاع به بدل أن يكون ذلك سببا لطاعتنا له، فاللّه‏ يمنحنا القدرة على الكسب وييسّر لنا سبله، ويرزقنا من رزقه، ثم يشرب بعضنا به الخمرة.

أتاني سؤال غريب حول العلاقة بين الجنس الواحد، أي أن يتزوجّ الذكر من الذكر والانثى من الانثى، ويقول السؤال: إن هذه المسألة يجب أن تُعالج. أولا تستغرب معي أن يكون مثل هذا المعنى في بلد إسلامي؟ فإن كان البرلمان في انگلترا قد أباح هذا، فنحن لسنا في انگلترا، نحن أهل «لا إله إلاّ اللّه‏»، ونحن أهل الفطرة، وهذا عمل ينافي الفطرة، ويعافه حتى الحيوان. فمن نزلت به فطرته إلى هذا المستوى فالحيوان أفضل منه.

فالمهمّ عند الناس اليوم أن ينفذوا قواعد نظام اجتماعي وضعي بحجة أنهم لا يريدون العودة إلى أيّام الجاهليّة والتخلّف، وكأن تشريعات الباري كلّها نقص تعود بالإنسان إلى أيام الجاهليّة. ولذا يتساءل البعض مثل ابن العربي عن السبب الذي دفع الحسين للخروج، ويتساءل ابن العربي: أما كان بوسع الحسين أن يبقى؟ إن الحسين قتله سيف جدّه، لأن جدّه أمره أن يطيع وليّ الأمر[3].

يتبع…

_________________

[1] الجامع لأحكام القرآن 7: 392 .

[2] يوسف: 106 .

[3] فيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 265 ـ 266، وفيه: «وقد غلب على ابن العربي البغض من أهل البيت، حتى قال عن الإمام الحسين عليه السلام: قتله ـ يعني يزيد ـ بسيف جدّه» .

   وقال: «ومن مجازفات ابن العربي أنه أفتى بقتل رجل عاب لبس الأحمر؛ لأنه عاب لبسة لبسها رسول الله صلى الله عليه وآله، وقتله بفتياه كما ذكره في المطامح. وهذا تهوّر غريب، وإقدام على سفك دماء المسلمين عجيب، وسيخاصمه هذا القتيل غدا، ويبوء بالخزي من اعتدى. وليس ذلك بأول عجرفة لهذا المفتي وجرأته وإقدامه؛ فقد ألّف كتابّأ في شأن مولانا الحسين (رضي الله عنه، وكرم وجهه، وأخزى شانئه) زعم فيه أن يزيد قتله بحقّ بسيف جدّه نعوذ بالله من الخذلان». فيض القدير شرح الجامع الصغير 5: 313 .

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة