كشكول الوائلي _ 54

img

المرأة والحجاج

انظر إلى التاريخ، فانه لا يخلّد إلاّ ذوي المواقف، وكلّ موقف من المواقف هو عبارة عن تجربة لمحاربة الغريزة وإثبات الذات. انظر إلى الذين وقفوا مواقف كبيرة، فبعضهم وقف مواقف لم يعبأ معها بغريزة حبّ الحياة، فمثلاً جيء بامرأة إلى الحجاج، فلما اُدخلت عليه كانت مطرقة، فقال لها: ارفعي رأسك. قالت: إني أكره أن انظر إلى وجه يكره اللّه‏ النظر إليه. فقال: يا عدوّة اللّه‏، ألي تقولين هذا؟ ! قالت: واللّه‏ لست عدوّة للّه‏، واللّه‏ لقد خفت اللّه‏ خوفا صيّرك في عيني أحقر من ذبابة.

فهذه المرأة بلا شك عندها غريزة حبّ الحياة، وكان من الممكن أن تنساق وراء هذه الغريزة، وأن تذلّ وتخضع للجبروت والقوّة، فلما سحقت الغريزة، وجرّبت انتصار الإرادة على الغريزة ألجمت هذا الطاغية وأسكتته. وكلّ موقف من المواقف هو تجربة لانتصار الإرادة على الغريزة، فإن انتصرت إرادة الإنسان على غرائزه كان من أصحاب المواقف، وإذا كان من أصحاب المواقف خلّدته الدنيا. أما الإنسان الذي تصرعه غرائزه فلا يتعدّى أن يكون في هذه الحياة في حكم الحيوان الذي يتكوّن من مجموعة من الغرائز، يمرّ عليه التراب فيأكله، ويمرّ عليه التاريخ فينساه، أمّا المواقف فلا يأكلها التراب:

لأنَّ الموتَ أقصرُ قيدَ باعٍ *** بأنْ يغتالَ فِكرا واعتِقَادا

جوع الزهراء عليها السلام

ولقد ندبنا اللّه‏ عزّ وجلّ إلى أن ندعوه لطلب رحمته. اشتدّ بالزهراء عليها السلام الجوع يوما فلم تجد بالبيت طعاما، فقال لها أمير المومنين عليه السلام : « اذهبي إلى رسول اللّهصلى الله عليه وآله وسليه شيئا من الطعام لأنني بلغني أنه جيء له بسهمه من الغنيمة، وأنت عزيزته ولا يمنعك». فذهبت الزهراء عليها السلام إلى أبيها صلى الله عليه وآله ، فلما نظر إليها وإلى ما بوجهها من أثر الجوع قال صلى الله عليه وآله : «ما وراءك يا فاطمة؟». قالت: «يا أبة قد ألح عليّ الجوع». فقال صلى الله عليه وآله لها: « إن شئت أعطيتك أعنُزا أو اُعلمك خمس كلمات علمنيها جبرئيل آنفا، أيهما أحبّ إليك؟». قالت: «لا واللّهيا أبه، أحبّ إليّ أن تعلمني هذه الكلمات». قال صلى الله عليه وآله : «قولي: اللهم يا أوّل الأوّلين، ويا آخر الآخرين، ويا ذا القوّة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين، أسألك رحمتك». فخرجت ووجهها يتهلّل بشرا[1].

يتبع…

____________________

[1] كتاب الدعاء الطبراني 319، وقريب منه في الدعوات (الراوندي): 48، بحار الأنوار 43: 153 / 10، 90: 272 / 3 .

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة