كشكول الوائلي _ 50

img

الحتف في التدبير

((فَالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)) ويعني بآل فرعون «سارة» وهي زوجته المؤمنة. وكانت تعطف على المؤمنين. ولم يكن عندهما ولد، وكانا يخرجان للنزهة على النيل عصرا، فجاء التابوت تتقاذفه الأمواج فالتقطته زوجته التي قيل: إن اسمها سارة، وقيل: آسية، وقيل غير ذلك. وهذا غير مهمّ، ولا داعي لإشغال الذهن به كما فعل أحد المفسّرين الذي قرأت له بحثا طويلاً من ثلاث صحائف عن اسم كلب أهل الكهف. المهمّ أن القرآن عبّر عن الزوجة بقوله ((آل)) أي أهل، فهل تصدق كلمة (أهل) على الزوجة أم لا؟ هذه النقطة تعتبر من الفقه السياسي؛ إذ هل إن المقصود بـ ((أهْلَ البَيتِ)) في آية التطهير ـ وهي ((إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيتِ [1])) ـ اللحمة التي ترتبط معه باللحم والدم، أم هي العلاقة التي تتمّ عن طريق العقد فتعتبر الزوجة بناء عليه من الآل؟ هذه النقطة موضع صراع بين المسلمين، وقد نتحدّث عنه في موضع آخر إن شاء اللّه‏.

حول لام العاقبة

ثم قالت الآية: ((لِيَكونَ لَهُمْ عَدُوّا)). وتسمى هذه اللام (لام العاقبة)[2]، أي أن هذا الذي التقطوه ستكون العاقبة أن موتهم يتمّ على يديه. وهنا كلمة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيها: «تذلّ الاُمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير»[3]. فالإنسان أحيانا يقدّر أن شيئا ما تكون فيه نجاته، لكنه يكون سبب موته. وعندنا الكثير من المصاديق لهذا المفهوم النظري الذي ورد في كلمة أمير المؤمنين عليه السلام، فمثلاً حينما خرج مروان (آخر خلفاء بني اُمية) بجيشه لقتال جيش العبّاسيّين، وتقابل الجيشان، راح يفكر بطريقة يتغلّب بها على جيوش العبّاسيّين، فانقدح في ذهنه أن يُخرج ما عنده من أموال في الخزينة فيضعها وسط المعركة، ويخصّص لكلّ من يأتي برأس جندي من جيش العدوّ مبلغ مئة درهم من المال، ولمن يأتي برأس قائد مبلغ ألف درهم متصوّرا أنه بهذه الطريقة سوف يشحذ همم الجنود المقاتلين، ويحرز النصر.

فلما اُلقيت الأموال إلى جنب الجند ورأوها مالوا عليها ينتهبونها، فرآهم معسكر العباسيّين فتصوّروا أنهم انهزموا، فكرّوا عليهم بسيوفهم كرّة عنيفة فانهزموا وقتلوا منهم مقتلة كبيرة؛ فكان حتفهم في تدبيرهم.

يتبع…

______________________

[1] الأحزاب: 33 .

[2] وهي اللام التي في قوله تعالى: } لِيَكونَ { . وتسمى لام الصيرورة ولام المآل، فهي الداخلة على الأفعال، والتي يشبّه أن تكون للتعليل غير أن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة؛ حيث إنهم لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا، بل المحبّة والتبنّي، لكن حدث أن كان نتيجة التقاطهم له وثمرته ذلك فشبّه بالداعي الذي يُفعل الفعل لأجله. انظر مغني اللبيب 1: 214 .

[3] نهج البلاغة / الحكمة: 16 .

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة