كشكول الوائلي _ 49

مولد علي عليه السلام ومدفنه
أن كلّ مسلم يؤمن باللّه ورسوله إذا رأى منقبة لصحابيّ يجب أن يعتزّ بها، لماذا؟ لأنهم جداول يصبّون في بحيرة الإسلام، لكن الذي حدث لفضائل الإمام علي عليه السلام أن جاء الاُمويّون بعد مصرعه ثم العباسيّون، وكان لكلّ منهم حسابه الخاصّ معه عليه السلام ، ذلك أن التاريخ يحدّثنا أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله كان يبعث الإمام عليّا عليه السلام في الكتيبة فلا يرجع إلاّ وقد علق الدم عليه بنيانا. وهو ممّا له تركة ثقيلة عند الاُمويّين والعباسيّين. ولا ننسَ أن نذكر المثل المشهور في حالنا هذه مع العباسيّين: «اتّقِ شرّ من أحسنت إليه»، مع أن الحيوان عندما تبرّه يألفك ويقربك، غير أن الإنسان خلاف ذلك؛ إذ يوجد اُناس من المعدن الذي إذا أحسنت إليه فلن ترى منه مكافأة إلاّ بالإساءة؛ لأنه يظن أن إحسانك إليه نوع من التميّز عليه فينقلب عليك. والفترة التي كتب فيها التاريخ وتفسير القرآن الكريم ابتدأت في عصر الاُمويّين والعباسييّن؛ ولهذا فإنهم إذا مرّوا بالإمام علي عليه السلام انقلبت الحسابات، فصاحب (السيرة الحلبية) مثلاً التي تشرح تاريخ الإسلام، والقاري الحنفي في (شرح الشفاء)، والآلوسي في (شرح عينيّة عبد الباقي العمري)، والحاكم في مستدركه ـ وهم جزء ممّا نصّ عليه مؤرّخونا، ومنهم الأميني في الجزء السادس من موسوعته الغديريّة[1] ـ ينصّون على أن ولادة الإمام علي عليه السلام كانت في الكعبة، والحاكم يقول: «الرواية متواترة»، أي رواها جيل عن جيل.
وكذلك جملة من المؤرّخين ذهبوا إلى أنه عليه السلام ولد في بطن الكعبة[2]، لكن الآن لم نجد لهذا ذكرا في حياة الناس، فالمفروض أنه يشار إليه؛ لأنه من رجالات الإسلام، فمثلما يشار إلى مقام إبراهيم يشار إلى هذا الرجل، فإن ذكره رصيد للإسلام. والآلوسي عندما يمر بهذه الرواية يقول: «سبحان الذي يضع الأشياء مواضعها»؛ حيث إن هذا الرجل أراد أن يردّ الجميل فطهّر البيت من الأصنام وكسرها، وأراد اللّه أن يكافئهُ أيضاً:
لما دعاك اللّه قدما لأن *** تولد في البيت فلبيتَهْ
جزيته بين قريش بأن *** طهّرت من أصنامهم بيتَهْ[3]
أما قبره فإنّ التأريخ يضع ضبابا عليه، ويقول: إنه لم يعلم النعش أين[4]. ونقول لهم: إن أهل البيت عليهمالسلام يعرفون ذلك، ويزورون هذا الموقع ويشيرون إليه وينصّون عليه، ونحن عندما نريد أن نرجع لقبور الأنبياء والأولياء كيف يمكن لنا أن نهتدي إليها؟ حتماً يكون ذلك عن طريق ذراريهم. يقول صفوان الجمال: صحبت الإمام الصادق عليه السلام ، ولمّا مررنا بالغريّ في النجف وقف في مكان وصلّي ركعتين، ثم انتقل إلى مكان ثانٍ وصلّى ركعتين، ثم انتقل إلى مكان ثالث وصلّى ركعتين، فقلت: سيّدي، هذه الأماكن الثلاث هل لك أن تخبرني عنها؟ فقال عليه السلام : «بلى، المكان الأوّل قبر جدّي علي بن أبي طالب، والمكان الثاني موقع صلب فيه رأس الحسين في طريقهم لمّا جاؤوا به إلى الكوفة، والمكان الثالث مكان منبر القائم عليه السلام »[5].
فكان أيمّة أهل البيت عليهمالسلام لايتركون فرصة تمرّ دون الإشارة إلى موقع القبر ودعوة الناس لتجديد العهد له. غير أن التأريخ حاول أن يلفّه وولادته بحالة ضبابيّة، فكانوا لايذكرونه بخير، يقول أحدهم: ما نفعل مع هذا الرجل؛ إن أحببناه قتلنا، وإن أبغضناه كفرنا[6].
يتبع…
______________________
[1] الغدير 6: 22، وانظر 2: 15، 33.
[2] مروج الذهب 2: 348 .
[3] الغدير 6: 23 .
[4] تاريخ بغداد 1: 148، سبل الهدى والرشاد الصالحي الشامي 11: 307، ونقل ذلك عن الصفدي في (تمام المتون).
[5] كامل الزيارات: 84، تهذيب الأحكام 6: 35 / 71، وسائل الشيعة 14: 399 / 19454، دلائل الإمامة: 459 .
[6] القول منسوب في مناقب آل أبي طالب وبحار الأنوار للشعبي، وفيه: «ما ندري ما نصنع بعلي بن أبي طالب عليه السلام؛ إن أحببناه افتقرنا، وإن أبغضناه كفرنا!». مناقب آل أبي طالب 3: 16، بحار الأنوار 92: 481.