قصص القران : قصة مهاجرة إسماعيل وهاجر
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
روي علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن النضر بن سويد عن هشام عن الصادق× قال إن إبراهيم كان نازلاً في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل اغتمت سارة من ذلك غماً شديداً لأنه لم يكن له منها ولد فكانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمه فشكا ذلك إبراهيم إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن تركته استقامت به وإن رمت أن تقيمه كسرته وقد قال القائل في ذلك:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها
إلا أن تقويم الضلوع انكسارها
ثم أمره أن يخرج إسماعيل وأمه عنها فقال: أي رب إلى أي مكان قال: إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من أرضي وهي مكة وأنزل عليه جبرئيل بالبراق فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم فكان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا قال يا جبرئيل إلى ها هنا فيقول جبرئيل لا امض لا امض حتى وافى مكة فوضعه في موضع البيت وقد كان إبراهيم عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها فاستظلت تحته فلما سرحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة قالت له هاجر: لم تدعنا في هذا الموضع الذي ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع فقال لها إبراهيم: ربي الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان ثم انصرف عنهم فلما بلغ كدى وهو جبل بذي طوى التفت إليهم وقال ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ إلى قوله لعلهم يشكرون ثم مضى وبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل فقامت هاجر في الوادي حتى صارت في موضع المسعى فنادت هل في الوادي من أنيس فغاب عنها إسماعيل فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المروة غاب عنها إسماعيل ثم لمع السراب من ناحية الصفا وهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت إلى إسماعيل حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فقعدت حتى جمعت حوله رملاً وإنه كان سائلاً فزمته بما جعلت حوله فلذلك سميت زمزم وكانت جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحوش على الماء فنظرت جرهم إلى تعكف الطير على المكان فاتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي نزول في ذلك الموضع قد استظلوا بشجرة قد ظهر لهم الماء فقال لها جرهم ما شأن ومن أنت وما شأن هذا الصبي؟ قالت أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن وهذا ابنه أمره الله تعالى أن ينزلنا ها هنا فقالوا لها أتأذنين أن نكون بالقرب منكم فقالت: حتى أسأل إبراهيم قال فزارهما إبراهيم يوم الثالث فقالت له هاجر يا خليل الله إن ها هنا قوماً من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا أفتأذن لهم في ذلك فقال إبراهيم نعم فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم وأنست هاجر وإسماعيل بهم فلما زارهم إبراهيم في المرة الثانية ونظروا إلى كثرة الناس حولهم سر سروراً شديداً فلما تحرك إسماعيل وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين وكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها.
«فلما» بلغ الرجال أمر الله تعالى إبراهيم أن يبني البيت فقال يا رب في أي بقعة قال في البقعة التي أنزلت فيها على آدم القبة فأضاءت الحرم قال: ولم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان في زمن نوح فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا ولم تغرق مكة فسمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فلما أمر الله تعالى إبراهيم أن يبني البيت لم يدر في أي مكان يبنيه فبعث الله جبرئيل فخط له موضع البيت وأنزل عليه القواعد من الجنة وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضاً من الثلج فلما أمسته أيدي الكفار اسودّ، قال فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة أذرع ثم دلَّه على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه وجعل له بابين باباً إلى المشرق وباباً إلى المغرب فالباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم ألقى عليه الشيح والأدخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها فكانوا يكونون تحته فلما بناه وفرغ حج إبراهيم وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل يوم التروية لثمان خلت من ذي الحجة فقال يا إبراهيم قم فارتو من الماء لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم أخرجه إلى منى فبات بها وفعل به ما فعل بآدم فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ الآية.