أهمية التربية ـ 2

ضرورة التربية
التربية ضرورة حياتية وشأن أصيل من شؤون الإنسان، بها يكسب مقوماته النفسية والاجتماعية، وبها يتحقق امتيازه عن سائر الحيوانات، فهي ضرورة للفرد والمجتع على حد سواء، فكما يرث الإنسان أساسه البيلوجي من الصفات الجسمية فكذلك يكسب المكونات الاجتماعية والنفسية لشخصيته عن طريق التربية. فهي ضرورية لأنها تكسب الإنسان المقوّمات الفردية والعادات التي يبقى متأثراً بها طول حياته.
تخلي الأبوين (الإهمال) عن التربية
ومن العوامل الكبرى التي تؤدي إلى انحراف الولد وإلى فساد خلقه وانحلال شخصيته تخلي الأبوين عن إصلاحه وانشغالهما عن توجيهه وتربيته. وهنا يبرز دور الاُم في حمل الأمانة والقيام بواجب المسؤولية تجاه من ترعاهم وتقوم على تربيتهم وتشرف على إعدادهم وتوجيههم.
الاُم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراف
فالاُم مسؤوليتها كالأب، بل أخطر؛ لأنها تلازمه حتى يكون إنسان الواجب ورجل الحياة. ويروى عن الرسول|: «والاُم راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها»([1]). فإذا قصّرت بسبب شغلها وانشغالها، وإذا أهمل الأب التوجيه والتربية لانصرافه وجلساته فلا شك أنهم ينشؤون نشأة اليتامى ويعيشون عيشة المشردين، بل سبب فساد وأداة إجرام.
ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** همّ الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي يلقى له *** اُماً تخلّت أو أباً مشغولاً
ويزداد الأمر سوءاً عندما يقضي الأبوان وقتهما في الاثم والغواية، ويتقلبان في أتون الملذات والشهوات والحرام والإباحية، فانحرافه يكون أبلغ وأخطر، وتدرجه في الإجرام يكون آكد وأعظم.
وليس النبت ينبت في جنان *** كمثل النبت ينبت في الفلات
وهل يرجى لأطفال كمال *** إذا ارتضعوا ثدِيَّ الناقصات
هذا وربما تعللت المرأة لإهمالها بسبب الوظيفة والأعمال التي تجبرها على إهمال أولادها والقيام بواجبها الوظيفي.
وقبل الخوض في المسألة الوظيفية للمرأة المسلمة عليّ أن أنبه إلى مسألة مهمة، وهي أن هذا الشعار البرّاق الذي نسمعه من أعداء الإسلام في دعوتهم للمرأة المسلمة أن تخوض غمار العمل وتقف مع الرجل في صفٍ واحدٍ، وأنه حق من حقوقها في الاعتماد على النفس، وأنها إنسانة كالرجل من حيث المساوات، إنما كان سببه في البداية هو ما تعيشه المرأة الاُوربية من ظلم وجور وقسوة من قبل الرجال، فجعلت تطالب في البداية بتخفيف ذلك عليها، وأن تعطى ما للمسلمة من حقوق وضمانات. ثم إن دخلوها غمار العمل لم يكن بحسن نية ولا بدافع التحرر وإعطاء الحقوق، بل إن الظروف التي ألجأتهم إلى فسح المجال أمام المرأة هذا، ولم يكن الأمر بالسهل، فقد خلّف وراءه سلبيات عديدة.
يتبع…
_________________
([1]) راجع في مصادر العامة: صحيح البخاري 1: 215. رياض الصالحين (النووي): 194.