المؤثرات في تكوين الشخصية ـ 3

img

وهكذا نستنتج المبادئ الأساسية الآتية:

1ـ إن الصفات الوراثية تؤثّر في تكوين الشخصية.

2ـ إن هناك فروقاً فردية بين الأفراد.

3ـ إن الإنسان يستطيع أن يتغلّب تغلّباً إرادياً وعقلياً على القابليات والملكات الموروثية ويتصرّف بها.

2ـ الاُسرة: تساهم التربية مساهمة فعّالة في تخطيط وتشكيل وصنع شخصية الفرد وتحديد صيغتها، فشخصية الفرد في غالب الأحيان هي نتاج صنع المربّي وصورة جهوده، فالاستعدادات والقابليات الإنسانية تولد وهي طاقات حرة غير متكيفة ولا متشكلة، فتتداولها يد المربي تتصرف بها وتعمل على تشكيلها وتخطيط بنيتها وفق قيم وأهداف تربوية محددة لذلك.

ومن أجل هذا جاءت الرسالات التربوية البشرية ورسم مناهج الإعداد والبناء الذاتي لشخصية الإنسان بدءاً من مرحلة الطفولة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6)([1]).

وتترجم السنة النبوية هذا المحتوى القرآني، جاء رجل إلى النبيّ فقال: يا رسول الله ما حق ابني هذا. قال: «تحسن اسمه وأدبه، وضعه موضعاً حسناً»([2]). ويؤكد الإمام علي× هذا المفهوم: «وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما اُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسوا قلبك ويشتغل لبك»([3]).

3ـ البيئة: اما العامل الثالث من العوامل المؤثّرة في تكوين الشخصية هي البيئة أو المحيط الاجتماعي بما فيه من أعراف وعقائد وقيم أخلاقية ونظام واُسلوب حياة، وسواء كانت عائلية أو مدرسية أو اجتماعية فالإنسان كائن عاقل يحس ويتعلم ويستوحي المفاهيم من حوله، وهو جزء من المجتمع، ويتفاعل معها ويتأثر به، ويتعلم منه خصوصاً بعد تطوّر وسائل المعرفة وخضوعها للتخطيط والتوجيه المقصود.

ومن هنا يؤكّد الرسول التحذير عن أصدقاء السوء: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة»([4]). ويحذر القرآن من التبعية والخضوع لمؤثرات البيئة المنحرفة.

ويؤكّد البراءة من ميراث الاُمم والقرون الجاهلية: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ (الزخرف: 23). ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾(لقمان: 21).

وهكذا يعرض لنا القرآن نموذجاً من هذه البيئة، ويوحي لنا ضرورة صنع بيئة اجتماعية نظيفة تتناسب مع الفطرة الإنسانية النقية وتساعد على تنمية الفطرة وتحافظ على نموها الطبيعي لتشكّل الشخصية السليمة من انحرافات المجتمع وآثار التعقيد والانحراف الفكري والنفسي الذي يحويه وعاء البيئة، فتترسب في وعي الإنسان وإحساسه الباطني، وتنطوي في أعماقه([5]).

_________________

([1]) انظر: الأمثل 48: 415.

([2]) الكافي 6: 48، باب حق الولد، ح1.

([3]) نهج البلاغة 3: 40. بحار الأنوار 1: 223 / 12.

([4]) الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) 13: 27.

([5]) راجع: الإمام الحسين للقرشي 1: 42، المكونات التربوية.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة