المؤثرات في تكوين الشخصية ـ 2

img

العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية

تشترك في تكوين الشخصية الإنسانية وضع عناصرها عوامل أساسية ثلاثة تختلف في دورها وشدة تأثيرها على حياة الإنسان وتشكيل شخصيته: الوارثة، التربية، البيئة.

1ـ الوراثة من حكمة الله سبحانه وعدله ومشيئته أن خلق الناس وهم يحملون فروقاً وملكات وإمكانات متفاوتة في درجة وجودها ومقدار تأثيرها على حياة الإنسان وشخصيته ليحقق في الإنسان حكمة الإحساس بالحاجة للاُخرى، والسعي نحو التعاون معهم، ليسهل تنظيم المجتمع وبناء وحدة إنسانية متكاملة، بضم القابليات والامكانيات الفردية بعضها إلى بعض، ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (الزخرف: 32).

فالتفاوت في الامكانيات والقابليات الجسدية والعقلية والأخلاقية التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾، له إذن دوره الفعّال في دفع الأفراد إلى التعاون، وتكامل صيغة الحياة الاجتماعية، وتبادل المنافع والعطاءات ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾، هذه جهة.

الجهة الثانية: ترتبط بالتفاوت والقابليات الإنسانية بين أفراد المجتمع، هي حكمة الامتحان والاختبار الإلهي للإنسان، فالله سبحانه يختبر الناس ويمتحنهم بما آتاهم من الطاقات وملكات عقلية وجسدية وأخلاقية ليرى كيف يصنع الإنسان، وكيف يستخدم هذه الطاقات، ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (الأنعام: 165).

ومن بالغ حكمته أن جعل هذه الخصائص والصفات تنتقل بطريقة وراثية عبر تنظيم وراثي دقيق، فصفات الآباء وخصائصهم الفكرية والنفسية والجسدية السلبية والإيجابية تنتقل إلى الأبناء وتؤثّر في تكوينهم.

فتساهم في تكوين شخصية الفرد، وتميّز هويته الذاتية؛ لذلك جاءت الأحاديث والروايات تؤكد هذا المعنى: «اختاروا لنطفكم؛ فإن العرق دسّاس ـ أو ـ فإن الخال أحد الضجيعين»، «انكحوا الأكفاء وانكحوا فيهم واختاروا لنطفكم»، «إياكم وخضراء الدمن»([1]).

كما جاءت الأبحاث والدراسات العلمية فيما بعد فكشفت عن هذه الحقيقة وصياغتها بشكل قوانين ودراسات علمية اعتمدها العلماء في مجالات مختلفة من الحياة الإنسانية.

ومع كل هذه التأثير، فالإنسان يستطيع بواسطة العقل والإرادة أن يعيد تنظيم شخصيته وتنقيح بنيتها، إلا أنه يكلّف مشقة وعناء ورياضة نفسية ليست بالهنية وهنا يبرز دور الاختبار والابتلاء الإلهي، وكم كان دقيقاً تشخيص الصادق× لهذه الحقيقة: «الخلق خلقات»([2]).

يتبع…

___________________

([1]) الكافي 5: 332، باب اختيار الزوجة، ح2 و3 و4.

([2]) تحف العقول: 275.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة