المؤثرات في تكوين الشخصية ـ 1

img

مصطفى آل المرهون

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان: 74)([1]).

لعل من أخطر ما استهدفه الشيطان الكافر في برامجه التخريبية هو هدم شخصيتنا الإسلامية هدماً عقائدياً وثقافياً وسلوكياً وعاطفياً، ولعل طبيعته التي انتابتنا ردحاً من الزمن لم تنشأ إلا من جراء انهدام الشخصية الإسلامية، وما أغصب ذلك من غياب الروح الرسالية التي تدفق بالحركة نحو الكمال وتشع بالرشد والهداية.

بل إن غياب الشخصية الإسلامية أورث حالة اليأس من إمكانية العمل الجهادي لاستئناف الحياة الإسلامية لدى الكثير من المسلمين، وأوشك أن يفتّ في عضد الواعين من أجل الإسلام، حيث لا يجدون التجاوب المطلوب ولا المناخ المناسب ولا المردود الاجتماعي المأمول لما يبذلونه من أجل عزة الإسلام.

إن العناية الإلهية تداركت هذه الاُمة حين بدأت تدرك مواقع أقدامها، وتعي مسارها، وتستشرف مستقبلها، فبدأ الجامعي يصحح مفاهيم اُستاذه، والمأموم يرشد إمامه، والمستمع يحدد خطيبه.

تعريفها

الشخصية هي الصيغة الموحدة لمجموعة من الخصائص والمقومات الإنسانية التي يتقدم بها محتوى الذات والجاهها، أو هي الصورة التي تظهر بها الذات الإنسانية نتيجة لعدة من العوامل والمقدمات الذاتية مع العالم الخارجي.

ولذا تكون الشخصية هي الصورة الظاهرة التي تكشف عن نفسها، وتعبّر عن حقيقتها باحتكاكها وتفاعلها مع العالم الخارجي مع الكون والطبيعة والبيئة والحياة بما فيها من محفزات ومثيرات ودواعي للتفاعل وتقرير المواقف.

والشخصية الإنسانية تحدّد هويّتها وتتّضح ماهيتها عن طريق الحقائق الداخلية عند الإنسان، كالفكر والمعتقد والاتجاهات النفسية… الخ.

فعندما تتفاعل هذه العناصر مع العالم الخارجي بما فيه من مثيرات ومحفّزات تتجسد حقيقة إنسانية، وترتسم أبعاد الذات البشرية، وتبرز من خلالها هوية الفرد الذاتية.

لذا فنحن لا نستطيع أن نقوّم هذه الشخصية شخصية إسلامية ملتزمة، أو تلك الشخصية شخصية مادية جاهلة ضائعة إلا إذا وقفنا على المقومات الذاتية لهذه الشخصية من الأفكار والمعتقدات والعواطف، وإلا إذا لاحظنا هذه الخصائص الذاتية تتجسد عند التفاعل مع الواقع وتصنع سلوكاً معيناً يعبّر عن هويتها ويكشف محتواها.

مثال ذلك: إذا لاحظنا ثلاثة يلتقون بمصير واحد وتحت ظروف موضوعية واحدة هي المال الحرام مثلاً، فابتعد أحدهم لأنه يؤمن بفكرة الحلال والحرام خوفاً من الله واستنكاراً للفعل المحرم، وآخر يمتنع من أخذ المال الحرام خوفاً من انهيار سمعته التجارية أو تحرجاً من القانون، والثالث يقدم دونما وانحر أو خوف.

فإننا نستطيع أن نقرر أن الشخصية الاُولى الإسلامية دون الاُخريتين؛ لأن موقفهما السلوكي كشف عن الدوافع المقررة لنوع الشخصية، ونستطيع أن نميّز بين الشخصيتين الاُخريين، ونحدّد هوية كل منهما بأن نصف الثانية بأنها تتصف بالتعقل وإن كانت ضائعة غير ملتزمة، والثالثة أنها متمللة مستهترة، وهكذا تلعب طبيعة الشخصية دوراً بارزاً في تقرير نوع الحياة ونمط السلوك الذي يكون السمة الظاهرة والوجه البارز لشخصية الإنسان، ولذلك فإن هوية الشخصية وطبيعتها الذاتية هي التي تصنع الحدود والفواصل المميزة لفرد عن فرد ومجتمع عن مجتمع آخر، فلكل مجتمع سمات وميّزات كلية يصنعها أفراده بشكل يميزه عن غيره من المجتمعات والاُمم الاُخرى.

فالمجتمع الإسلامي مثلاً يختلف عن كل من المجتمع الشيوعي والمجتمع الرأس مالي، وهذه المجتمعات تختلف عن المجتمع الذي لا يملك فلسفة حياتية معينة. فكل مجتمع يقوم على أساس ما يتّسم به من خصائص وميزات تصطبغ بها شخصيات أفراده وتنعكس على حياة أعضائه، فيبدو وحدة إنسانية متميزة عن غيرها من المجتمعات والاُمم الاُخرى، ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 148).

يتبع…

____________________

([1]) انظر: الأمثل 11: 281.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة