أقم الصلاة ـ 1

img

مصطفي آل مرهون

﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [لقمان: 17].

إقامة الصلاة تحقيق لتشريع الله سبحانه. يقول تعالى في سورة إبراهيم: ﴿قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾ [ابراهيم: 31]. كما أن المربي عليه أن يهيء المناخ والظرف المناسب للصلاة، ولذلك يقول إبراهيم×: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ…﴾ [ابراهيم: 37].

وكان ذلك عندما رزقه الله إسماعيل من جاريته «هاجر»، فأثار ذلك حسد زوجته الأولى «سارة»، ولم تستطع تحمل وجود هاجر وابنها، فطلبت من إبراهيم أن يذهب بهما إلى مكان آخر، فاستجاب لها إبراهيم طبقاً للأوامر الإلهية، وجاء بإسماعيل وأمه إلى أرض مكة التي كانت قاحلة وليس فيها شيء من مقومات الحياة، ثم ودّعهم وذهب بأمر الله.

ولم يمض قليل من الوقت حتى عطشت الأم وابنها في تلك الشمس المحرقة، وبعد سعيها لإنقاذ ابنها، أراد الله أن تكون تلك الأرض منطلقاً للعبادة الإلهية، فأظهر «زمزم»، فعلمت قبيلة «جرهم» البدوية ـ وكانت قريبة منهم ـ بالأمر، فأقاموا عندهم، فصار الناس يأتون من كل مكان للإقامة عندهم. ثم يستمر إبراهيم بالدعاء حتى يقول: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾ [إبراهيم: 40]. ويطلب من ربه أن يكون خلفه مقيماً للصلاة.

 

تأثير التربيه الحسنى

تحققت أُمنيه إبراهيم× وإذا بإسماعيل أيضاً يقوم بنفس الدور الذي كان أبوه يقوم به من الاهتمام بالصلاة. يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: 54 ـ 55].

ومن هنا نعلم أن المرحلة الأولى لتبليغ الرسالة هي الشروع من عائلة المبلّغ الذين هم أقرب الناس إليه؛ ولهذا فإن نبي الاسلام‘ قد بدأ دعوته أيضاً بزوجته خديجة. يقول تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]؛ لأن هذه الصلاة لك ولأهلك أساس العفة والطهارة وصفاء القلب وسمو الروح ودوام ذكر الله.

ولا شك أن ظاهر أهلك هنا هو بيت النبي‘، إلا أن السورة لما كانت مكية فإن مصداق الأهل في ذلك الزمان كان «خديجة وعلياً»، وربما شملت أيضاً بعض أقارب النبي‘ الآخرين، إلا أن مصطلح أهل بيت النبي‘ أصبح أوسع مع مرور الزمن.

 

فلسفة إقامة الصلاة

نلاحظ أن القرآن يتحدث عن آثار إقامة الصلاة بشكل واضح وجلي، يقول تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].

أي اقرأ هذه الآيات فإن فيها ما تطلبه وتبتغيه من العلم والمعرفه والحكمة والنصح، ومعيار معرفة الحق من الباطل، وسبيل تنوير القلب والروح، ومسير حركة كل طائفة أو مجموعة واتجاهها.

والأمر الثاني: إقامة الصلاة، الذي فيه الأثر الكبير في تربية الفرد والمجتمع، ويمكن التعرف على بعض الفوائد من خلال النقاط التالية:

النقطة الأُولى: تُعين الإنسان على الابتعاد عن الذنوب حيث توجد في داخله تقوية الوازع الديني من خلال روح الإيمان التي يكتسبها من الصلاة، فتقوى عنده التقوى الذي يعينه على الابتعاد عن الفحشاء والمنكر.

والفحشاء ربما تعني: الذنوب الكبيرة الخفية، أو الذنوب التي تنتج بغلبة القوى الشهوانية. والمنكر: الذنوب الكبيرة الظاهرة، أو ما ينتج من أثر القوى الغضبية. إلى غير ذلك من الفوارق.

وقد ذكر بعضهم أقوال ضعيفه في هذا المعنى:

منها: أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام الإنسان مشغولاً بها. ولا شك أن كثير من الأعمال على هذه الشاكلة.

ومنها: أن كل جملة في الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهؤلاء غفلوا عن أن النهي هنا ليس نهياً تشريعياً فحسب، بل هو نهي تكويني؛ فظاهر الآيه أن الصلاة لها أثر ناهٍ.

والتفسير الأصيل هو أن النهي له عدة درجات ومراتب كثيره، وكل صلاة مع هذه الشروط لها نسبة من هذه الدرجات، كما لا مانع من القول أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر نهياً تكوينياً ونهياً تشريعياً، فكم من المذنبين أصلحتهم الصلاة؟!

وفي الحديث عن النبي‘ أنه قال: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً»([1]) . وقال‘: «لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر»([2]). وفي مجمع البيان أن شاباً من الأنصار أدى الصلاة معه وكان عنده ذنوب قبيحه، فأخبروا النبي‘ فقال: «إن صلاته تنهاه يوماً»([3]).

وعن الإمام الصادق× أنه قال: «من أحب أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فيلنظر هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قبلت منه»([4]).

يتبع…

______________________

([1]) تفسير القمي 2: 150.

([2]) بحار الأنوار 79: 198.

([3]) تفسير مجمع البيان 8: 29.

([4]) تفسير مجمع البيان 8: 29.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة