كشكول الوائلي _ 45

img

الجهاد والمرأة

التساؤل حول قضيّة الجهاد هو: لماذا منع الإسلام المرأة من الجهاد ولم يكلّفها به؟ ولماذا خصّه بالرجل؟

ونقول: هل إن المرأة بتركيبها الجسدي هذا تستطيع أن تتحمّل تلك الشدائد؟ كما أن هناك حالتين من الجهاد: حالة جهاد ابتدائي، وحالة دفاع. وحالة الدفاع غير حالة الجهاد، فحالة الدفاع أن يتعرض بلدك إلى هجوم من عدوّك فتضطرّ إلى الدفاع عنه، فلا يقتصر الدفاع حينئذٍ على الذكور بل حتى الإناث والصبيان. فهذه هي حالة ثانويّة، وهي الدفاع عن الوطن والأعراض.

أما الناحية الاُخرى فهي الجهاد الابتدائي، فإن الجيش الإسلامي خارج لإعلاء كلمة الإسلام ومحاربة المشركين، وليس هناك حالة اضطراريّة ، فللمرأة رخصة. والمجتمع فيه شقّان: مدني، وحربي. فالمدني هو المرأة حيث إنها مسؤولة عن البيت والأطفال، وتقوم بواجباتها وترعى نصف المجتمع، والرجل للحرب ليقوم بالالتزام تجاه نصف المجتمع.

فالإسلام لم يمنع المرأة من الجهاد، بل توجد بعض النساء أقوى من بعض الرجال، وقد ثبت علميّا ومن الواقع أن المرأة أحيانا أصلب بكثير من بعض الرجال. ونذكر رواية هنا هي أنه لما غزا اليهود المدينة أمر النبي صلى الله عليه وآله ، فجمعوا النساء على الاُطم (المرتفعات) وطوّقوها حتى لا يهجم اليهود عليهن، وخرج المسلمون للقتال. وكانت صفيّة بنت عبد المطلب تترصّد فرأت يهوديّا يدور حول الاُطم، وكان حسان بن ثابت معها، وكان غير شجاع، فقالت: هل رأيته؟ قال: نعم. فقالت: هذا سيف فاذهب واضربه لأنه سيرى عوراتنا ويعرف نقطة الضعف فيدل عليها مَن خلفه من اليهود فيهجمون علينا. فقال: لا، قد علمت ما أنا بصاحب هذا. فنزلت صفيّة وضربت اليهودي بعصا، ثم قالت له: إني قتلته وعليه بزّة كاملة (ما يحتاجه المقاتل)، فاذهب لأخذها. قال: لا، جنبيني هذا؛ فإني لا أستطيع أن أرى الدم[1]. فهذا رجل وهذه امرأة، وهذا طبعا له علاقة بالتربية والتكوين.

فالبيئة التي يعيش فيها الإنسان تنعكس عليه، لذلك يقول اللّه‏ تعالى: ((وَأعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [2]))، يعني عندما يأمر بالإعداد فإنه لا يأمر بشيء لا يمكن له أن يتحقّق، بل إنه يكون في إطار الإمكان، فالإمكان موجود؛ فإنه إذا رُبي في أجواء الرجولة فسيكون رجلاً قويّا.

وعليه فإنّ الجهاد عندما فرض على الرجل فإنه لم يكن احتقارا لقابليّات المرأة، مع أن الإسلام قد أعطاها عوض ذلك «جهاد المرأة حسن التبعل»[3]، أي قيامها بواجباتها الاُسرويّة فتشارك زوجها في بناء الاُسرة، فالإسلام يكرّم المرأة[4] بإناطته بها مثل هذه الأدوار فالإسلام لم يسلب المرأة حقوقها مطلقا، بل نحن من يسلبها ذلك، فإننا نُسمى مسلمين لكن ممارساتنا ليست ذات صبغة إسلاميّة، بل هي بعيدة عن الإسلام حيث لازلنا نعيش بعض أجواء الجاهلية حتى إزاء الأولاد والمجتمع. فمواريثنا تحتاج إلى تعديل، ونحن بحاجة إلى الترويض على تعديلها، فعندما نمسك مسلما ونقول له: هل تحسن أدبيّات السلوك الاُسروي حينما تدخل بيتك، وكيف تعامل زوجتك وأطفالك؟ فإنه قد لا يجد ما يجيبك به. والحال أنه توجد مجموعة قواعد ونظم في الإسلام حول ذلك، وظيفتها تقنين الحياة الاُسروية.

وها قد بينّا وضع المرأة في قمّة المسؤوليّة والتكريم من قِبل الإسلام، والدليل على ذلك أن المرأة لعبت أدوارا في تاريخ الإسلام لا تقلّ أهمّيّة عن الرجل؛ فقد أعطاها مكانة في الاُسرة، وفي مجال الحرب، وفي الأوضاع السلميّة. وتاريخنا حافل بالنجوم من النساء، حيث إن هناك نساء ضربن أسمى الأمثلة، ومن ذلك أنه دخل ابن عبّاس وجماعة على الإمام الحسين عليه السلام وقالواله: إنك ستخرج وستقتل، فما حمْلك لهؤلاء النسوة؟ فأشار عليه السلام إلى جملة من خواصّه وقال: «أمرني رسول اللّهصلى الله عليه وآله»، أي ديني يأمرني بذلك، فهي عليها النصف ممّا أقوم به أنا، وهذه مؤهّلة للقيام بهذا، فأنا ساُعطي دماً والمرأة ستعطي موقفا.

يتبع…

__________________

[1] الأمالي الطوسي: 261، تاريخ مدينة دمشق 12: 430، 432، 18: 379 .

[2] الأنفال: 60 .

[3] الكافي 5: 9 / 1، كنز العمّال 16: 141 / 44173، 241 / 44308 .

[4] جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يارسول اللّه‏، من أبرّ؟ قال: «اُمّك». قال: ثم من؟ قال: «اُمّك». قال: ثم من؟ قال: «اُمّك». قال: ثم من؟ قال: «أبوك». الكافي 2: 159 / 9.

و كذلك قال صلى الله عليه وآله: «الجنة تحت أقدام الاُمّهات». مستدرك وسائل الشيعة 15: 180 / 17933، عن لب اللباب القطب الراوندي، مسند الشهاب 1: 102/118، كنز العمّال 16: 461/45439 .

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة