كشكول الوائلي _ 44

img

الأشعث بن قيس

لمّا دخل الأشعث بن قيس على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ـ وهو رئيس قبيلة ضخمة، وعنده أموال ـ يخطب إليه زينب عليها السلام رفض الإمام تزويجه منها؛ حيث إن الأشعث كانت له انحرافات كبيرة وخطيرة. وكان ذلك مدعاة له لأن ينقم على الإمام عليه السلام فيما بعد ويشارك في قتله، وهو الذي كان يقول لعبد الرحمن بن ملجم حينما أدركه الفجر: النجا النجا لحاجتك؛ فقد فضحك الفجر[1]. أي اقتله قبل أن يطلع الفجر. والأشعث له قضايا كبيرة.

والإمام عليه السلام أراد أن يضرب لنا مثلاً: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه»[2].

فالأشعث ليس له دين، ومثل هذا عليَّ أن اُبعده، أمّا الملتزم ومن يتخلّق بأخلاق الاسلام فليس هناك مانع من أن اُزوّجه.

ومع هذا كلّه يعد الأشعث بن قيس ـ وياللأسف ـ شيخا من شيوخ الحديث، بل ومن شيوخ الإمام البخاري[3]، وسألني البعض: لماذا عندكم موقف سلبيّ من البخاري؟ فقلت له: على العكس، نحن نحترمه ونقدّر له جهده الذي بذله في تأليف هذه الموسوعة، لكن نحن لا نأخذ برواياته، وسأضرب لك مثلاً. قال: تفضل. قلت: عمران بن حطّان يقول لعبد الرحمن بن ملجم:

ياضربة من تقيّ ما أراد بها *** إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوما فأحسبه *** أوفى البريّة عند اللّهميزانا

ويرد عليه أحد كبراء شعراء السنّة وهو عبد القاهر التميمي فيقول:

إني لأذكره يوما فألعنه *** دهرا وألعن من يعطيه غفرانا[4]

ونحن نسأل البخاري: بمقدّساتك ودينك، لو كان عبد الرحمن بن ملجم هذا قد قتل أبا بكر أو عمر، هل كنت تأخذ بروايته؟ قطعا لا يأخذ. لكن هذا قاتل إمام المتّقين، ويمدحه ابن حطّان وهو شيخ من شيوخ البخاري، فهل تريدني أن آخذ بروايته[5]؟ فهذا هو عمران بن حطّان.

وكذلك حريز بن عثمان كان يجلس صباحا ويتقرّب إلى اللّه‏ بلعن الإمام علي عليه السلام سبعين مرة، وهذا شيخ من شيوخ البخاري أيضا[6]، فهو يسبّ رجلاً يقول عنه الرسول: «حبّك حبّي وبغضك بغضي»، و «من مات يحبّك بعد موتك ختم اللّه له بالأمن والإيمان، ومن مات يـبغضك مات ميتة جاهليّة وحوسب بما عمل في الإسلام»[7].

فكيف آخذ بروايته، وهو ليس له نصيب من الإسلام؟

ومثال آخر أن روايات أيمّة أهل البيت عليهم‏السلام لا يؤخذ بها ويؤخذ برواية مروان ابن الحكم، ولنقف عند الروايات التي وضعها الاُمويّون، فهل أنت لا تدري أن الذين كتبوا التاريخ هم الاُمويون؟ فهذا والي الاُمويّين خالد بن عبد اللّه‏ القسريّ على الكوفة ـ وهو أحد الذين كتبوا التاريخ الإسلامي ـ كان عنده كاتب، فقال له يوما: عندي مشكلة. قال: ماهي؟ قال توجد روايات تمدح علي بن أبي طالب وتمدح الأنصار ـ وكان عند الاُمويين حساسيّة تجاه الإمام علي عليه السلام وتجاه الأنصار؛ لأنهم كانوا معه يوم صفّين ـ فهل أذكرها؟ قال: لا، لا تذكرها إلاّ أن تجده في قعر جهنم.

فهل هذا يذكر لعلي بن أبي طالب عليه السلام منقبة؟ بل إنه لا تطيب نفسه بذكر ولو رواية واحدة في تكريم هذا الرجل، وكلّ ما تجده روايات تطعن في الإمام علي وزوجته عليهما السلام، كرواية أن الرسول صلى الله عليه وآله دقّ عليهم الباب فلم يخرجوا إلى الصلاة إلى أن طلعت عليهم الشمس وهم لم يصلّوا، فهل يعقل أن الإمام عليّا وفاطمة عليهما السلام تطلع عليهما الشمس ولم يصلّيا؟

إن هي إلاّ كرواية أن النبي موسى عليه السلام جاء إليه عزرائيل ليقبض روحه، فقال له: «ماذا تريد؟». قال: «اُريد أن أقبض روحك». فضربه موسى بعينه ففقأها، وردّه إلى ربه وهو أعور[8].

فنحن لا يمكن أن نقبل بهذا الحديث وأمثاله قطعا.

أم أنك تريدني أن اُبغض الذي يقول عنه النبي صلى الله عليه وآله : «من أحبّك فقد أحبّني، ومن أبغضك فقد أبغضني»[9]، و«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»[10]، ومن هو ابن عمّ الرسول صلى الله عليه وآله ونفسه كما جعله القرآن[11]؟ يجب أن تكون المقاييس علميّة ومحفوظة، ويجب أن يكون لدينا موقف من المرويّات ومن النظريات .. موقف من هذا اللون من الروايات التي تحاول دفع الناس إلى الابتعاد عن إمام المتّقين علي ابن أبي طالب عليه السلام .

نرجع للموضوع، فإنّ هذا الرجل (الأشعث) إنما رفضه أمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأن الزواج لابدّ أن يقوم على اُسس صحيحة، فاللّه‏ تعالى يريد منّا أن نتخيّر قبل أن نقدم على الزواج، ولابد من حفظ كرامة المرأة؛ لأنها هي عماد الاُسرة، والإسلام يعطيها كيانا لا حدود له ضمن فطرتها وقابلياتها.

يتبع…

___________________

[1] شرح نهج البلاغة 6:117، الطبقات الكبرى 3: 36، اُسد الغابة 4: 37 .

[2] الكافي 5: 347 / 2 ـ 3 .

[3] انظر صحيح البخاري 3: 116، 159، 160، 166، 7: 224، 228، 8 : 42 .

[4] قال الأمير العلامة أبو سعيد نشوان بن سعيد الحميري اليمني في الحور العين بعد أن نقل أبيات عمران هذه: فبلغت الأبيات القاضي أبا الطيب الطبري، فقال:

يا ضربة من شقيّ ما أراد بها  إلاّ ليهدم من ذي العرش بنياناإنى لأبرأ مما أنت قائله  عنِ ابن ملجمٍ الملعون بهتاناإني لأذكره يوماً فألعنه  وألعن الدهر عمران بن حطانا عليك ثمّ عليه الدهر متّصلاً  لعائن اللّه‏ إسراراً وإعلانافأنتُمُ من كلاب النار جاء به  نصّ الشريعة برهاناً وتبيانا. انظر الحور العين: 201.

[5] انظر صحيح البخاري 7: 45 .

[6] انظر صحيح البخاري 4: 164 .

[7] مسند أبي يعلى 1: 403 / 528، كنز العمّال 11: 611 / 32955، 13: 159 / 36491، جواهر المطالب 1: 70 .

[8] صحيح مسلم 7: 100 .

[9] اُسد الغابة 4: 382، تهذيب الكمال 1: 359، بشارة المصطفى: 253 .

[10] صحيح مسلم 7: 120، فضائل الصحابة أحمد بن حنبل: 13 ـ 14، الجامع الصحيح 5: 302 / 3808، 304 / 3813 ـ 3814، السنن الكبرى (النَّسائي) 5: 44 / 8138 ـ 8143 ، فتح الباري 7 : 60 .

[11] في قوله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكمْ. آل عمران: 61، انظر: مسند أحمد 1: 185، الجامع الصحيح 4: 293، 5: 302، وغيرهما كثير.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة