كشكول الوائلي _ 41

img

الفرق بين رازقيّة اللّهورازقيّة العباد

ثم قالت الآية: ((وَإنَّ اللّه‏َ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ))، وهنا اُمور:

الأوّل: أن رازقيّة العبد في الأشياء المقدورة

فاللّه‏ عزّ وجلّ يرزق ما لا يقوى العبد على أن يرزق مثله، فرزق العبد غيرَه إنما يكون في الأشياء المقدورة، وإلاّ فهل يستطيع أن يرزقك العافية ولو للحظة؟ إنه لا يمكنه ذلك ولو بذلت له كل ما في الدنيا، فمثلاً لو تلف عصبك البصري، فهل يستطيع أحد أن يردّه؟ وهو يستطيع أن يحميك من بعض الأشياء المنظورة، لكن اللّه‏ يحميك منها كلّها ومن الأشياء غير المنظورة.

فالذي يعطيك عطاء لا يقوى الآخرون على أن يعطوك مثله هو اللّه‏ عزّ وجلّ، فهو يرزقك ما لا يقوى العبد على مثله.

الثاني: أن العبد لا يمنح قدرة الانتفاع بما يعطي

فكلّ رازق من العباد لا يقوى على أن يعطيك القدرة على الانتفاع بهذا الرزق، فأنا اُعطيك المال لكن لا أضمن لك أن تبقى هذه الأموال عندك، ورحم اللّه‏ دعبلاً الخزاعي، فإنه عندما أنشد قصيدته التائية:

مدارس آيات خلت من تلاوة

إلى آخر القصيدة، أعطاه الامام عشرة آلاف درهم رضويّة ـ أي مسكوكة باسمه بأمر من المأمون، وهي موجودة في متاحف العالم وفي سمرقند ـ وأعطاه أيضا جبّة، فاعتزّ دعبل بالعطيّة للتبرك بها، لكن في الطريق خرج عليه قطّاع الطرق فسلبوه وأخذوا ماعنده، وكان من محاسن الصدف أن الذي سلب دعبلاً كان يقرأ هذا البيت:

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** وأيديَهمْ من فيئهم صفراتِ

فقال له دعبل: لمن هذا البيت؟ قال لشخص يقال له دعبل. قال له: أتعرفه؟ قال: لا . قال: أنا دعبل. فأرجع مانهب إلى دعبل[1]. فالإمام عليه السلام أعطاه الهديّة ، ولكنه لم يضمن له أن ينتفع بها.

وكذلك فإن العبد لا يضمن لك أن تنتفع به جسديّا، فلو أعطاك طعاما هل يمكنه أن يعطيك معدة سليمة للانتفاع بهذا الطعام؟ لكن اللّه‏ إذا أعطى هذا يعطي معه القدرة على الانتفاع: ((وَلَقَدْ مَكنّاكمْ [2]))، وجزء من أجزاء التمكين القدرة على الانتفاع.

يتبع…

____________________

[1] عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام: 94 ـ 96 .

[2] الأعراف: 10 .

 

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة