الإنابة ـ 1

img

مصطفي آل مرهون

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ…﴾ [لقمان: 15].

في الميزان ج16 ص 217: «ومن هنا يظهر أن في قوله تعالى ﴿وَاتَّبِعْ…﴾ إيجازاً لطيفاً، فهو يفيد أنهما لو كانا من المنيبين إلى الله فلتتبع سبيلهما وإلا فلا يطاعا ولتتبع سبيل غيرهما ممن أناب إلى الله».

معنى الإنابة

الإنابة تعني الرجوع إلى الله عن كل شيء مما سوى الله، والإقبال على الله تعالى بالسر والقول والفعل، حتى يكون دائماً في فكره وذكره وطاعته، فهو غاية درجات التوبة وأقصى مراتبها؛ إذ التوبة: الرجوع عن الذنب إلى الله، والإنابة: الرجوع عن المباحات أيضاً إليه سبحانه، فهو من المقامات العالية والمنازل السامية.

قال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر: 54]. ويقول تعالى: ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ [غافر: 13]. وقال تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: 31 ـ 35].

طرق الإنابه

الطريق الأول: أن يتوجه إليه بشراً شر باطنه حتى يستغرق قلبه في فكره.

الطريق الثاني: أن لا يكون خالياً عن ذكره وذكر نعمه ومواهبه وذكر أهل حبه وتقربه.

الطريق الثالث: أن يواظب على طاعاته وعباداته مع خلوص النية.

 التربية بالقدوة

من أفضل الوسائل المؤثرة في إعداد الوالد: التربية بالقدوة، حيث لها تأثيرها خلقياً ونفسياً واجتماعياً؛ وذلك لأن المربي هو المثل الأعلى في نظر الطفل، والأسوة الصالحة في عين الولد، يقلده سلوكياً ويحاكيه خلقياً من حيث يشعر أو لا يشعر، بل تنطبع في نفسه وإحساسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية.

ومن هنا كانت القدوة عاملا مهماً في صلاح الولد أو فساده، يتأثر بها سلباً وإيجاباً، بل الولد مهما كان استعداده للخير عظيماً لا يستجيب لمبادئ الخير وأصول التربية الفاضلة ما لم يرى المربي في ذروة الأخلاق وقمة القيم والمثل العليا.

كما من السهل على المربي أن يلقن الولد منهجاً من مناهج التربية ولكن من الصعوبة بمكان أن يستجيب الولد لهذا المنهج حين يرى المربي والموجه غير متخلق به.

يقول الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيّها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدي *** بالعلم منك وينفع التعليم([1])

ولذلك فإن القدوة المختارين من قبل السماء رباهم الخالق وهيأهم بأعلى الكمالات النفسية والخلقية والعقلية، حتى يأخذ الناس عنهم ويقتدوا بهم ويستجيبوا إليهم وينهجوا نهجهم. ومن أجل ذلك كانت النبوة والإمامة تكليفية ولم تكن اكتسابية.

يتبع…

______________

([1]) تفسير الرازي 3: 48.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة