الأم ـ 1

img

مصطفي آل مرهون

﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14].

يندفع الوالدات بالفطرة إلى رعاية الأولاد، إلى التضحية بكل شيء حتى بالذات، وكما تمتص النبتة الخضراء كل غذاء في الحبة فإذا هي فتات، ويمتص الفرخ كل غذاء في البيضة فإذا هي قشر، كذلك يمتص الأولاد كل رحيق وكل عافية وكل جهد وكل اهتمام من الوالدين فإذا هما شيخوخة فانية، وإذا هما مع ذلك سعيدان.

ومن ثم لا يحتاج الآباء إلا إلى القليل من التوصية بالأبناء، ولكن والأولاد يحتاجون إلى استجاشة وجدانهم بقوة نحو الآباء.

الحمل

يكشف علم الأجنة عملية الحمل أن البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية تسعى للالتصاق بجدار الرحم. وهي مزودة بخاصية أكالة، تخرق جدار الرحم الذي تلتصق به وتأكله، فيتوارد دم الأم إلى موضعها حيث تسبح هذه البويضة الملحقة دائماً في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات، وتمتصه لتحيابه وتنمو. وهي دائمة الامتصاص لمادة الحياة، والأم المسكينة تأكل وتشرب وتهضم وتمص، لتصب هذا كله دماً نقياً غنياً لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول.

وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير؛ من دم الأم فتفتقر إلى الجير، ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الجنين.

ثم الوضع، وهي عملية شاقة. ثم الرضاع والرعاية، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية، وهي مع ذلك فرحة سعيدة ودود. وأكبر ما تتطلع إليه أن تراه سليماً ينمو بين عينيها، فأنّي يبلغ الإنسان في جزاء هذه التضحية مهما يفعل، وهو لا يفعل إلا القليل الزهيد.

يقول الإمام علي بن الحسين× في رسالة الحقوق: «فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، وأنها وقتك بسمعها وبصرها، ويدها ورجلها، وشعرها وبشرها، وجميع جوارحها، مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها ونقلها وغمها، حتى دفعتك عنها يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمى، وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها، وتلذذك بالنوم بأرقها، وكان بطنها لك وعاء، وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه، إلا بعون الله وتوفيقه»([1]).

ويصوّر الإمام× هنا تلك التضحية النبيلة الكريمة الواهبة التي تتقدم بها الأمومة، والتي لا يجزيها أبداً إحسان من الأولاد مهما أحسنوا القيام به.

يتبع…

_______________

([1]) تحف العقول: 263/ 21.

الكاتب الادارة

الادارة

مواضيع متعلقة