كشكول الوائلي _ 38

img

مزواج مطلاق

ربّما يعترض معترض بأن الزوجة لا تحتاج إلى توصية للعناية بها؛ فهذا أمر فطري، فكلّ إنسان منسجم مع زوجته يعتني بها ويهتم بأمرها؛ فكلاهما يكمّل الآخر، فما وجه توصية المشرّع إذن؟ فنقول له: إنه ليس كلّ الأزواج منسجمين، فضلاً عن أن البعض ربّما يكون قد انخدع بزوجه، زيادة على أن هناك من الرجال من يميل بطبعه إلى التطليق، فهو إما من ملل يصيبه أو أنه مذواق، كما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله سأل شخصا عن زوجته فقال: يارسول اللّه‏ طلّقتها وتزوّجت غيرها، ثم سأله بعد فترة فأجابه بالجواب عينه، فقال له صلى الله عليه وآله : «إنك مذواق مطلاق»[1].

وهذا كثيرا ما يحصل، فالرجل بعد فترة من زواجه يبدأ الملل بالتسلّل إليه فيهجر زوجته أو يلجأ إلى إيذائها، والقرآن الكريم يقول: ((وَلا تَنسَوْا الفَضْلَ بَيْنَكمْ [2]))، لماذا؟ لأن المرأة خلال هذه الفترة قد أعطت كلّ ما عندها وأنت كذلك، فأيام الفضل والمودّة بينكما موجودة فلا تنسياها، ولا تدعاها تذهب هباءً، هي أعطتك ما لم يظفر به أبوها منها وأنت كذلك، فلا وجه حينئذٍ لنسيان هذا: ((خَلَقَ لَكمْ مِنْ أنفُسِكمْ أزْوَاجا [3])).

والزوجة لابدّ أن تتّصف بمواصفات معيّنة كي تستحقّ تلك التوصية والرعاية، جاء رجل لرسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله فقال له: يارسول اللّه‏، أخطب المرأة الجميلة أو ذات الدين أو ذات المال؟ فقال صلى الله عليه وآله : «اظفر بذات الدين تربت يداك»[4]؛ لأن ذات الدين يحملها دينها على رعاية زوجها وحفظ بيته في غيابه والتضحية من أجله، والزوج ينبغي أن يواجهها بمثل ذلك؛ لأنهما كليهما جزء النواة التي ستكوّن المجتمع الذي يصلح بصلاحهما ويفسد بفسادهما.

ودور الوصيّة هنا التذكير بما يجب لو طرأ على العلاقة نوع فتور أو تنافر؛ فإنه يجب مع ذلك ألاّ يضيع أحدهما حقّ الآخر. وربّما كانت المشكلة هي أننا لم نلجأ إلى الحلّ من البداية، بل كان لجوؤنا إليه بعد وقوع المشكلة، ولو رجعنا إلى الآداب الإسلاميّة في اختيار الزوج والزوجة والتي يذكرها فقهاء المسلمين لاستغربنا من تطوّر الفكر الإسلامي في هذا المجال، ولوجدنا أن مكاتب الزواج التي اُنشئت حديثا في اُوروپا ليست حديثة عهد في الإسلام، بل هي معروفة ومقرّرة عنده منذ بدء نزول التشريع. ومن المواصفات التي وضعها الإسلام قوله صلى الله عليه وآله : «تخيّروا لنطفكم»[5].

المأمون يعرف آثار الخمرة على الإنسان

مشية السكران، وصاحبها يترنّح فيعرف بها أنه كذلك. دخل أحدهم على المأمون وأنشده:

إذا ما احتساها شارب ذو صبابة *** تمشّت به مشي المقيّد بالوحلِ[6]

فالتفت إليه المأمون وقال: يريبني وصفك لها. فقال له: ويريبني معرفتك بها. أي يبدو أنك تعرفها.

_______________

[1] وردت عدّة أحاديث بلعن المذواق المطلاق، انظر البحر الرائق 2: 412.

[2] البقرة: 237 .

[3] الروم: 21 .

[4] الكافي 5: 332 / 1، مسند أحمد 2: 428 .

[5] دعائم الإسلام 2: 199، سنن ابن ماجة 1: 633 / 1968 .

[6] ولمشي المقيد اسماء كثيرة ذكرها صاحب لسان العرب؛ فمنها الكردسة 6: 196 ـ الكروس، الكرفسة 6: 196 ـ كرفس، والحصحصة 7: 16 ـ حصص، والرسيف 9: 118 ـ رسف، والطابقة 10: 213 ـ طبق، والحجل 11: 144 ـ حجل، والنأملة 11: 680 ـ نأمل، وذكر صاحب القاموس المحيط: 245 ـ كرسي أن منها الكربسة.

الكاتب الادارة

الادارة

مواضيع متعلقة