كشكول الوائلي _ 35

img

الله حكم قانون الاختيار في كلّ ما يخصّ الحسين عليه‏ السلام

فهو عليه‏ السلام وضع الإغراء والإرهاب الموجّه إليه جانبا وتمّم الرسالة التي اختارها اللّه‏ له، ومن ضمن هذه الرسالة اختيار مقتله، فمقتله عليه‏ السلام لم يكن اعتباطيا وإنما كان ضمن دائرة الاختيار الإلهي. وكذا تربة مقتله، فاللّه‏ جلّ وعلا حكم قانون الاختيار في كلّ ما يخصّ الحسين عليه‏ السلام، وهو اختيار قائم وفق قانون السماء كما نصّت عليه الآية مقام البحث، وذلك في جملة من الاُمور التي أشرنا إليها، كزمان النهضة، فإن الأمر وصل حدّا أنه لو تأخّر زمان النهضة عن الموعد الذي حدّده تعالى لها، لكان من الممكن أن يتّسع الخرق على الراقع[1].

ويمكن تشبيه الأمر بشخص اُصيب بداء، فتأخير إعطائه الدواء يعني استفحال الداء وتعاظمه الذي يمكن أن يؤدّي إلى قتل المصاب به. وهكذا نظر الحسين عليه‏ السلام إلى جسد الاُمّة الإسلاميّة المصاب بداء الاُمويّين والذي تمزّق شرّ ممزّق فإنه قد انتشر كلّ ما هو فوضوي وجاهلي في تلك الفترة المتمثّلة بحكم يزيد. وقد وصل الأمر إلى درجة الاستهتار بمقدّرات المسلمين بحيث إن الحسين عليه‏ السلام أصبح يرى الخطر في السكوت، ولذلك تحرّك وقام بثورته المعطاءة.

 

الحسين عليه ‏السلام وارث أبيه

فالحسين عليه ‏السلام كما ورث الصلابة والشجاعة من جدّه صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله ورثها أيضا من أبيه أمير المؤمنين عليه‏ السلام، وهو ما يسمّى بالوراثة القريبة، مع أنه قد ورث ذلك أيضا بالوراثة البعيدة. فهذا الموقف الذي ورثه من جدّه صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله ورث من أبيه عليه‏ السلام موقفا لا يقلّ عنه شأنا، وذلك حينما عقد أهل الشورى مجلسهم بعد وفاة الخليفة الثاني حيث قدّم له عبد الرحمن بن عوف عرضا كلّه إغراء، إذ جلس بجانبه وقال له: نحن لا نجد من هو أفضل منك، لكن نبايعك على شرط. قال عليه‏السلام: «ما هو؟». قال: نبايعك على كتاب اللّه‏ وسنّة نبيّه وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر. فقال عليه‏ السلام:«أحكم بكتاب اللّهوسنة رسوله صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله وأجتهد برأيي».[2]أي أنه عليه‏ السلام يريد أن يقول لهم حول سيرة الشيخين: إن لي منهجيَ الخاصّ في فهم النصّ واستنباط الحكم، فلا تقيّدني بشيء لا أستطيع العمل به، بل وربّما كان حتّى الظرف لا يساعد عليه كما هو الحال في التفرقة في العطاء؛ ففي زمن الخليفة الأوّل كان المسلمون يأخذون عطاءهم سواسية، وحينما جاء الخليفة الثاني قرر أن له في هذه المسألة نظرا تقتضيه المصلحة فكان أن ميّز في العطاء.

يتبع…

______________________

[1]  في المثل: اتّسع الخرق على الراقع، وهو عجز بيت لأبي عامر جدّ ابن مرداس، وصدره: لا نسب اليوم ولا خلّة. انظر الجامع لأحكام القرآن 3: 267، مغني اللبيب 1: 226.

[2]  المسترشد في الإمامة الطبري الشيعي: 365، بحار الأنوار 31: 399، شرح نهج البلاغة 1: 188، وانظر المحصول في علم الاُصول 6: 86.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة