كشكول الوائلي _ 34

img

الوراثة الانفعاليّة

فالحسين عليه‏ السلام أخذ من هذين القانونين كليهما: من قانون التربية، ومن قانون الوراثة أو ما نسميه الوراثة الانفعاليّة، أي وراثة الانفعالات التي تحصل للاُمّ أثناء حملها بابنها، فمن المعلوم أن الحامل تنفعل بالأجواء التي تعيشها وينعكس هذا الانفعال على جنينها، فالتي يقع حملها في فترة حرب تنعكس انفعالات الحرب وآثارها ومؤثّراتها على جنينها، وكذلك التي يقع حملها في فترة سلم أو ما شاكل ذلك. وهذا وقع للحسين عليه ‏السلام حيث إن الزهراء عليهاالسلام كانت حاملاً به في واقعة اُحد حينما قتل حمزة وغيره من شهداء الإسلام وخيرة الصحابة، وكان يسود المدينة وأبياتها حزن وجوّ من الكآبة والهمّ، وكانت الزهراء عليها السلام جزءا من هذا الجوّ فكانت تعيش الألم والحزن والمعاناة، وقد انعكس هذا واضحا على الحسين عليه ‏السلام، فقد أخذ الجدّ والحزم والشجاعة.

 

أبوطالب يدافع عن الرسول

وأما من ناحية التربية، فواضح أن الحسين عليه‏ السلام قد أخذ من جدّه رسول اللّه‏ صلى‏ الله ‏عليه ‏و‏آله صفاته، ويكفي أن نذكر هذه القصّة التي حدثت مع أبي طالب رحمه‏الله فقد اجتمع شيوخ قريش لمّا رأوا إجماعه على مفارقتهم وعداوتهم وعدم تسليم الرسول صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله إليهم، ومشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي ـ وكان أجمل فتى في قريش ـ فقالوا له: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد أبهى فتى في قريش وأجملهم، فخذه إليك فاتّخذه ولدا فهو لك، وأسلم لنا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك؛ لنقتله، فإنما هو رجل برجل. فقال أبو طالب: واللّه‏ ما أنصفتموني؛ تعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا واللّه‏ ما لا يكون أبدا. فقال له المطعم بن عدي بن نوفل ـ وكان له صديقاً مصافياً ـ : واللّه‏ يا أبا طالب ما أراك تريد أن تقبل من قومك شيئاً، لعمري قد جهدوا في التخلّص ممّا تكره وأراك لا تنصفهم. فقال أبو طالب: واللّه‏ ما أنصفوني ولا أنصفتني، ولكنك قد أجمعت على خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك[1].

وفي مرّة اُخرى قالوا له: إذن ما يريد منّا؟ فإن أراد حكما ملّكناه، وإن أراد مالاً أعطيناه من صفوة أموالنا، وإن أراد الزواج زوّجناه من يريد. فالتفت أبو طالب إلى الرسول صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله وقال له: أتسمع ما يقول قومك؟ قال صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله: «واللّهياعمّ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما فعلت».

فلمّا سمعوه نفضوا ثيابهم وقاموا وهم يقولون: لا سبيل إلى هذا[2].

وهذا ما ربّى رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله عليه ولده الإمام الحسين عليه ‏السلام، وإلاّ فإن الحسين عليه ‏السلام لو أراد أن يسالم الاُمويّين فكم من الإغراءات التي كان يمكن أن يقدّموها له؟ وأليس هو الذي يقول ابن أبي الحديد عنه أنه عليه ‏السلام كأن هذه الأبيات قد قيلت فيه:

وقد كان فوت الموت سهلاً فردّهُ *** إليه الحفاظ المرّ والخلق والوعرُ

ونفس تعاف الضيم حتى كأنه *** هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفرُ

فأثبت في مستنقع الموت رجله *** وقال لها من تحت أخمصك الحشرُ

تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى *** لها الليل إلاّ وهي من سندس خضرُ

يتبع…

___________________

[1]  شرح نهج البلاغة 14: 55، الطبقات الكبرى 1: 202، تاريخ مدينة دمشق 66: 314، 316، 318، تاريخ اليعقوبي 2: 25، مجمع البيان 4: 31، الميزان 7: 58 .

[2]  بحار الأنوار 18: 182، وقريب منه ما في تاريخ الطبري 2: 67،البداية والنهاية 3: 63 .

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة