كشكول الوائلي _ 31

img

عفاف ابوذر

وقعت لأبي ذر؛ حادثة تعرّض فيها للإغراء، فقد كان ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية يوما ثلاثمئة دينار، فقال أبو ذر لرسوله: «إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها. وردّها عليه».

وكان يقول: «جزى الله الدنيا عني مذمّة بعد رغيفين من الشعير أتغدّى بأحدهما وأتعشّى بالآخر، وبعد شملتي الصوف أتّزر بإحداهما وأتردّى بالاُخرى».

وكان؛ في مرتبة عظيمة من الزهد والإيمان والتقوى، وقد بعث عثمان إليه بصرّة علي يد عبد له وقال له: إن قبلها فأنت حرّ. فلم يقبلها منه، فقال له العبد : اقبلها فإن فيها عتقي. فقال: «إن كان فيها عتقک فإن فيها رقّي، وأنا قد قطعت علائق الدنيا لئلّا أكون عبدآ لغير الله».

وموضع الشاهد فيه أنه يقول بأنه ليس فقيرآ بل عنده رغيفان لغدائه وعشائه فهذا يكفيه، فهو غنيّ في نظره. والحقيقة أن الغنى والفقر في النفس؛ لأن فقراء النفوس لو أعطيتهم الدنيا كلّها لقالوا: إننا فقراء، وتظلّ تلاحقهم عقدة الشعور بالفقر، وغنيّ النفس لو لم يجد إلّا ما يسدّ به رمقه لاعتبر نفسه غنيّآ.

علي والآءات

لا ينبغي أن نصير سوط عذاب على من خالفنا، فالناس أحرار فيما يعتقدون، فلا نمنع عنهم رفدهم لهذا. خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات مرّة من مسجد الكوفة فالتقاه أحدهم وقال له: أنا لا اُبايعک ولا أخرج معک لقتال ولا اجتمع معک في جمعة أو جماعة. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «وأنا لا اُكرهک، ولا أمنع عنک عطاءک ما دام المسلمون منک في أمان».

بمعنى أنک إن كنت مواطنآ صالحآ لا تؤذي غيرک فلا شيء لي عندک، وأما البيعة فلا اُكرهک عليها ولن أقطع عنک عطاءک بسببها.

الحسن ومروان

وهناک واقعة اُخرى وهي أنه خرج الإمام الحسن (عليه السلام) على بغلة له ـ وكانت البغال الجيّدة آنذاک كالسيّارات عندنا حاليآ جيّدها وقويّها يشدّ أنظار الناس ـ وما إن خرج حتى التقاه مروان واعترضه، فقال له (عليه السلام): «ما شأنک؟». قال: اُريد هذه البغلة التي أنت عليها. فنزل له الإمام عنها وأعطاه إياها. مع أن مروان معروف بعدائه لأهل البيت (عليهم السلام)، وهو الذي خرج بعد ذلک مردّدآ :

يا ربّ هيجـا هي خيرٌ مِن دعـهْ

لا تدعوا الحسن يدفن عند جدّه :

وكلّ إنـاء بالـذي فيه ينضـح

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة