كشكول الوائلي _ 30

img

الصدقة

عن هشام بن سالم قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يعجبه العنب، وكان ذات يوم صائمآ، فلمّا أفطر كان أوّل ما جيء له بالعنب، أتته اُم ولد له بعنقود فوضعته بين يديه، فجاء سائل فدفعه إليه، فدسّت إلى السائل فاشترته منه، ثم أتت به فوضعته بين يديه (عليه السلام)، فجاء سائل آخر فأعطاه، ففعلت اُم الولد مثل ذلک، حتى فعل ثلاث مرات، فلما كان في الرابعة أكله.

وكان (عليه السلام) يتصدّق بالسكر واللوز، فسئل عن ذلک، فقرأ قوله تعالى: “لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ“، وكان يحبه.

فكانوا : يتصدّقون بأجود ما لديهم من الطعام وينفقونه فيما يقرّبهم إلى الله. فاللام هنا تشمل كلّ الأنواع، أي كلّ ما يقع تحت مسمّى الطعام وجنسه؛ حسنه ورديئة، لكن أهل البيت (صلوات الله عليهم) يتصدّقون بأجوده دائمآ.

يقول الحديث: «أيّما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنّة، وأيّما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة، وأيّما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم».

فمن يقدّم غيره على نفسه في الطعام مع حاجته إليه كان طعامه من أكل الجنّة ومن يقدّمه على نفسه في الكسوة كان كساؤه من سندس الجنّة، ومن يقدّمه في الشراب كان شرابه رحيقآ مختومآ: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ” أي حاجة. وهذا ما يمكن أن يعبّر عنه بفناء الذات الخاصّة في الذات العامّة. وبهذا يكون أقرب إلى الله، فلا يترک أنانيّته تجعله يعيش في قوقعة، لايهتمّ بغيره وإن أصابه الطوفان: «من أصبح ولم يهتمّ باُمور المسلمين فليس بمسلم». وهذه هي الروح التي يريد الإسلام أن يغرسها في نفوس المسلمين ويَحْمله على أن يندمج في الاُسرة الإسلاميّة، وأن يعتبر المسلمين اُسرة واحدة. والإمام علي (عليه السلام) هذا النموذج الرائع للاقتداء والاحتذاء به يضرب لنا مثلا ساميآ في هذا المجال يقول: «أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا اُشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون اُسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة، همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها، وتلهو عمّا يراد بها؟».

فهذا هو النموذج الأعلى الذي يتحسّس آلام الآخرين وهمومهم ومآسيهم، والذي يجب أن يحتذى.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة