الإحسان ـ 3

أقوال جماعة من علماء الكلام:
قال جماعة من علماء الكلام: إن الثواب من الله على فعل الواجب تفضّل لا مكافأة فيه ولا استحقاق.
وقال آخرون: بل هو مكافأة واستحقاق. وقال الإمام علي×: «لو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه دون خلقه؛ لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً بما هو من المزيد أهله».
ومعنى هذا أن الله له وعليه، ولا شيء أصرح في الدلالة على ذلك من قوله: إن لله سبحانه الطاعة على عباده، وعليه جلت حكمته الأجر والمكافاة على مقدار العمل، وما زاد فهو تفضّل منه تعالى وتوسّع.
ويتفق هذا الكلام مع حكم العقل والفطرة، فإن الناس يرونك متفضلاً ومحسناً إذا أعطيت من عَمِل لك فوق أجرته واستحقاقه، أما إذا أديته أجرة عمله بلا زيادة ونقصان فأنت عندهم من الأوفياء لا من المحسنين الكرماء.
هذا إلا أن الإسلام بأصوله وفروعه يبتني على فكرة العدل، والأجر على العمل حق واجب الأداء في منطق العدل والحكمة»([1]).
والإحسان هو:
1 ـ إسداء المعروف لبني الإنسان.
2 ـ وبذل المال إلى المحرومين.
3 ـ الجاه يستشفع به لذوي الحاجات.
4 ـ القوة تبذل لإغاثة الملهوف وحماية الضعيف.
5 ـ الإرشاد إلى الخير لينقذ به الجاهل المغمور.
ويقول الرسول‘: إنه قال: «من سألكم بالله فاعطوه، ومن أتاكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا الله له حتى تظنوا أنكم قد كافأتموه»([2]).
قال الشاعر:
يجزيك أو يثني عليك وإن من *** يثني عليك بما فعلت فقد جزى
وعن الإمام الصادق×: «لعن الله قاطعي سبيل المعروف، وهو الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره، فيمنع صاحبه أن يصنع ذلك إلى غيره»([3]).
ويروى أنه قدم وفد النجاشي على رسول الله‘ فقام يخدمهم بنفسه، فقال له أصحابه: يا رسول الله‘، لو تركتنا كفيناك. فقال‘: «كانو لأصحابي مكرمين»([4]).
وفي كتاب ثمرات الأوراق أنه قدم رجل على عبيد الله بن العباس وهو بفناء داره فقام بين يديه وقال: يا بن عباس، إن لي عندك يد وقد احتجت إليها، فصعد فيه بصره وصوبه فلم يعرفه. فقال له: من يدك عندنا؟ قال له: رأيتك واقفاً بزمزم وغلامك يملأ من مائها والشمس قد صهرتك فظللتك بطرف كسائي حتى شربت. فقال: أجل إني لأذكر ذلك. ثم قال لغلامه: ما عندك؟ قال: مائتا دينار وعشرة الآف درهم. قال: ادفعها إليه، وما أراها تفي بحق يده عندنا.
فقال الرجل: والله لو لم يكن لإسماعيل رجل غيرك لكان فيك الكفاية، فكيف وقد ولد سيد المرسلين وقد شفع بك وبأبيك؟!([5])
والعرب تضرب المثل بمن يجزي الإحسان بالإساءة بقولهم: جزاني جزاء سنمار ـ وهو رجل رومي من بني الخورنق الذي بظهر الكوفة للنعمان ابن امرئ القيس، فلما فرغ منه ألقاه من أعلاه فخر ميتاً، وإنما فعل ذلك لئلا يبني مثله لغيره ـ فضربت العرب به المثل لمن يجزي بالإحسان الإساءة.
قال الشاعر:
جزتنا بنوسعد بحسن فعالنا *** جزاء سنمار وما كان ذا ذنب([6])
ومثل هذه المكافأة مكافأة مروان بن الحكم للحسنين’، حيث أُخذ أسيراً في معركة الجمل، فاستشفع فيه الحسنان، وكلّما أباهما فيه فخلا سبيله، فكانت مكافأته للحسن أن جرعه الغيض مراراً وسعى في قتله بالسم ورمى جنازته بالسهم، ثم كانت مكافأته للحسين أن أشار على الوليد بقتله.
______________
([3]) بحار الأنوار 72: 43/ 10.