الإحسان ـ 2

أبو الحسن الإصفهاني
أقبل أحد الصالحين من بغداد يحمل معه خمسين ألف دينار حقوق شرعية لأبي الحسن الإصفهاني، فلما قدمها إليه سأل: هل من فقراء من أرحامك تعطيهم؟ قال: أصلهم من جيرانك، قال: كذلك ولكنه استدرك وقال: يوجد عندنا جار يهودي تاجر ثري دخل في صفقة بكل ماله فغرقت في البحار وباع كل ما عنده وبقي في بيته فقير.
فقال السيد: خذ المال كله وأعطه إياه. فذهب هذا الرجل الصالح إلى جاره اليهودي ودخل عليه ولم يكن عنده إلا حصير، فجلسا عليه فأخرج الخمسين ألف وقال له: إن عندنا مرجع نعود إليه في ديننا ونحمل إليه الحق الشرعي، وقد حدثته عما جرى عليك فأعطاني هذا المال أوصله إليك وقال لي: إذا كنت تحتاج أكثر فهو على أتم الاستعداد.
تردد اليهودي في قبول المال وقال: إن السيد لا يعرفني وأنا يهودي فكيف يرسل هذا المبلغ الكبير؟! أنا لا أقبله، ولكن الرجل أبى أن يعيد المال وقال: لا يقبل مني السيد ذلك. ثم سأله اليهودي عن وقت زيارته للسيد فقال: أنا أذهب ليلة الجمعة للزيارة والسلام عليه. فقال: إذا أردت أن تذهب فأخبرني، وحدّد معه وقت الزيارة. فلما جاءه وإذا باليهودي جاء بكل أهله وعائلته وأرحامه وأركبهم في باص وقال للرجل: نريد أن نذهب ونسلِم على يد السيد أنا وجميع أهلي.
وهكذا وفّق الله سبحانه بهذا الإحسان إلى هداية هذه العائلة.
ويقول مغنية: كل ما يراه الناس حسناً أو إحساناً فهو عند الله كذلك، شريطة أن لا يأباه العقل السليم ولا ينهى عنه الشرع القويم، وإلا فإن أهل الجاهلية كانوا يستحسنون عبادة الأصنام وظلم الضعيف وخاصة المرأة. حتى في عصرناً يستحسن الملايين عبادة الأصنام والإنسان، ويجعلون لله أولاداً وأنداداً، وما من شك أن هذه من أقبح العادات، فإذا عمل الإنسان عملاً ورآه الناس حسناً ولم يرد فيه نهي من العقل والشرع فإن صاحبه يستحق من الله الأجر والكرامة، ويزيده من فضله أضعافاً على ما يستحق ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26].
يتبع…