الإحسان ـ 1

img

مصطفى آل مرهون

السابعة والثامنة:  «وانسى اثنتين: إحسانك في حق الغير، وإساءة الغير إليك»

يقول تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60]

إستفهام إنكاري في مقام التعليل لما ذكر من إحسانه تعالى عليهم بالجنتين وما فيهما من أنواع النعم والآلاء، فيفيد أنه تعالى يحسن إليهم هذا الإحسان جزاءً لإحسانهم بالخوف من مقام ربهم. ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 46]. وهل ينتظر أن يجازى من عمل صالحاً في الدنيا بغير الإحسان الالهي؟

وبالرغم من أن بعض الروايات الإسلامية فسّرت الإحسان في هذه الآية بالتوحيد فقط أو التوحيد والمعرفة، أو الإسلام، إلا أن الظاهر أنها مصاديق لهذا المفهوم الواسع الذي يشمل كل إحسان في العقيدة والقول والعمل.

وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق× أنه قال: «آية في كتاب الله مسجلة». قلت: ما هي؟ قال: «قول الله عز وجل: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ جرت في الكافر والمؤمن والبر والفاجر، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافأ به، وليس المكافأة أن تصنع كما صنع حتى تربى، فإن صنعت كما صنع كان له الفضل في الابتداء»([1]).

وبناءً على هذا فالجزاء إلالهي في يوم القيامة يكون أكثر من عمل الإنسان في هذه الدنيا.

ويقول الراغب في المفردات([2]): (الإحسان) شيء أعلى من العدل؛ لأن العدل هو أداء الإنسان لما في عاتقه وأخذ المتعلق به، أما الإحسان فهو أداء الإنسان عملاً أكثر من وظيفته ويأخذ أقل من حقه، كما أن الله سبحانه كما هو الواقع تفضل على الكثيرين بالرزق والهداية لمجرد أنهم قاموا بشيء من الإحسان أو أن مواقف الإحسان أثّرت في أعماقهم وقلوبهم.

نقل صاحب روح البيان ج9 ص310: أن شخصاً مسلماً شاهد امرأة كافرة تنثر الحَب للطيور شتاءً، فقال لها: لا يقبل هذا العمل من أمثالك. فأجابته: إني أعمل هذا سواء قبل أو لم يقبل. ولم يمضِ وقت طويل حتى رأى الرجل هذه المرأة في حرم الكعبة، فقالت له: يا هذا، إن الله تفضل عليّ بنعمة الإسلام ببركة تلك الحبوب القليلة([3]).

يتبع…

__________________

([1]) بحار الأنوار 8: 105، تفسير مجمع البيان 9: 348.

([2]) انظر المفردات في غريب القرآن: 119.

([3]) نقله عنه في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 17: 426.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة