كشكول الوائلي _ 30

الولد الصالح
العمل الذي يقوم به الإنسان ويمكن أن يقرّبه إلى الله ويدخل به الجنّة هو في حقيقته من الله، فأنت حينما تعطي فقيرآ مالا أو طعامآ، أو حينما تساعد عاجزآ على حمل حاجته، فأنت إنما تفعل ذلک بما أعطاک الله من خير أو مالٍ أو قوّة وما شاكل ذلک، فأنت بمفردک لا تستطيع أن تفجّر الأرض ماء ولا أن تنبتها زرعآ ولا أن تمنح نفسک القوّة، بل كلّ ذلک من الله.
فما كان من الله كيف يمكن أن نطالب الله به الجنّة؟ فليس عندنا شيء نقدّمه إلى الله إلّا من الله. ونحن حينما ندعو الله تعالى نقول من ضمن ما ندعوه به: «اللهمّ أعنّي على نفسي» كما ورد في الأثر.
وكذلک مسألة الولد البارّ أو الصدقة الجارية أو العلم الذي ينتفع به، وهي الثلاث الواردة في قوله 9: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث … ». فالإنسان بهذه الثلاث يدخل الجنّة بما لم يعمله مطلقاً؛ لأنه لم يخلق الولد البارّ، وهذا الولد عمل لأبيه صالحآ فأدخل الله أباه الجنّة بما عمل هو له، والله هو الذي خلقه وأعطاه إيّاه، ورزقه المال والزاد والقوّة كي يتمكّن من عمل ذلک.
وهنا أودّ أن اُشير إلى مسألة هامّة جدّآ هي أن البعض منّا يعتبر أن الحدّ بينه وبين أبيه هو القبر:
طوى الموتُ ما بيني وبين محمّد *** وليس لما تطوي المنيّة ناشرُ
وهو من أفدح الأخطاء؛ لأن عين الميّت على ابنه؛ فإن رآه فرِحآ فرِح له وهو في قبره، وإن رآه مستاءً استاء له وهو في قبره أيضآ. فمثل هذا لا يصحّ أن يجعل القبر الحدّ الفاصل بينه وبيننا، بل لابدّ من مواصلة العلاقة والعمل الصالح له كي تُنفّس عنه كربات القبر وشدائده.
وقد روي عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) أنه سئل عن الميت: يزور أهله؟ قال : «نعم». فقيل له: في كم يزور؟ قال : «في الجمعة وفي الشهر وفي السنة على قدر منزلته». فقيل له: في أي صورة يأتيهم؟ قال (عليه السلام) : «في صورة طائر لطيف يسقط على جدرهم ويشرف عليهم؛ فإن رآهم بخير فرح، وإن رآهم بشرّ وحاجة حزن واغتمّ».
فيجب على الإنسان أن يصلّي عن أبيه ويحجّ إن كان مدينآ بذلک، دخلت امرأة على رسول الله فقالت له: يارسول الله إن اُمّي نذرت الحجّ فماتت ولم تحجّ قال: «حجّي عنها، أرأيت لو كان عليها دين أكانت تقضيه؟ دَين الله أحقّ بالقضاء».
بل إن استقامة الولد نفسها رحمة للوالد؛ فإن رآه الناس كذلک قالوا: رحم الله أباه، لقد أحسن تربيته ورعايته.
يتبع…