كشكول الوائلي _ 27

img

زينة الحياة

المال والبنون زينة الحياة، فالإنسان يجد السعادة في عيني أولاده سيّما بعد أن يعود من سفر أو عمل فيراهم، والإسلام يأمر في أمثال هذه الحالات ألّا يعود الرجل إلى بيته خاليَ الوفاض، بل لابدّ من أن يأتيهم بشيء ولو بسيطآ ليُدخل الفرح إلى نفوسهم.

وإذا كان هذان زينة الحياة فما هي النعمة الأكبر واللذة الأجلّ منهما؟ والجواب: أن نسخّرهما فيما هو أعظم للذي هو أعظم، وهو التضحية والفداء،

التضحية بالولد

…تنقل كتب التاريخ أن حنظلة الأسدي جيء به هو وابنه أسيرين إلى قائد الفرس في معركة القادسيّة، وقد حاول هذا القائد إغراء حنظلة بالمال والمنصب له ولابنه إن هو دلّهم على عورات المسلمين، فقال له: إني إن دللتک قتلني ولدي، فاقتله أوّلاً ثمّ اُعطيک ما تريد. فأمر القائد بقتله ثمّ التفت إليه وهو يرجو أن يفوز منه بما طلب، فضحک حنظلة وقال: هل تظن أنني أدلّک على ذلک؟ إني إنما طلبت قتل ولدي لأني خشيت أن يضعف بعد قتلي أمام إغرائكم وتهديدكم فيدلّكم على ما تريدون منه. فأمر به فقتل. وهو موقف يستحقّ الإعجاب والتقدير، فنجد فيه تضحية بالمال والولد من أجل حفظ بيضة الإسلام.

الإمام الحسين (عليه السلام) بلغ الغاية في التضحية

وفي هذه الليلة ونحن في رحاب علي بن الحسين عزيز الحسين الذي قدَّم أولاده في طريق التضحية ليضرب لنا المثل الكبير والموقف الكريم في التضحية بالمال والبنين في سبيل الله؛ أمّا المال فلسنا بحاجة إلى البرهان كي نثبت ذلک؛ فقد جلب معه كلّ أمواله من أجل إمداد الحملة، وما زاد فقد نهب بعد الوقعة، وأما الأولاد فقد ضحّى بأبنائه وأبناء إخوانه وعمومته ليرينا كيف تكون التضحية. وكلّنا قد قرأنا أو سمعنا بمباهلة الرسول والنصارى حيث قالوا: إن خرج إليكم بأصحابه فباهلوه، وإن خرج بأهل بيته فلا تباهلوه؛ لأن بإخراجه أهل بيته وتضحيته بهم دليلا على أنه واثق بما عنده. فعظم التضحية تتجلّى بتقديم المرء أعزّاءه وأهل بيته. والحسين (عليه السلام) من هذا النوع، أراد البرهنة على عظم التضحية فصار يقدم أبناءه واحدآ تلو الآخر حتى جاء دور ولده علي الأكبر ـ سلام الله عليه ـ وهو الولد الذي كان دائمآ يملأ مشاعر أبيه، فكان يحتل منزلة كبيرة لدى والده إضافة إلى ما تميز به من صفات وسمات من كرم وشجاعة وفصاحة وصباحة، وأكبر من ذلک إيمانه بقضيّته، ففي طريقهم من المدينة إلى كربلاء هوّمت عينا الحسين (عليه السلام) ثم انتبه وهو يقول: «لا حول ولا قوة إلّا بالله، إنّا لله وإنا إليه راجعون». فجاءه الأكبر وهو يقول: فداک نفسي، لماذا استرجعت؟ قال: «يابني رأيت في منامي قائلا يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا». فقال الأكبر (عليه السلام): ألسنا على الحق؟ قال: «بلى والذي إليه مرجع العباد». قال: إذن لا نبالي أن نموت محقّين. فاحتضنه الحسين (عليه السلام) وقال: «جزاک الله من ولد خيرآ». ثم أخذ يقبّله ويشمّه.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة