الموت ـ 2

img

مصطفى آل مرهون

أقسام الذاكرين للموت

القسم الأول: المنهمك في اللذات المنكب على الشهوات

فهو وإن اتفق ذكره للموت تأسف على دنياه، واشتغل بمذمة الموت، وحاول أن يفر منه غافلاً عن قوله تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 78]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: 8]. وهذا الإنسان يزيده ذكر الموت من الله بعداً؛ لأنه ممن يحب طول الأمل.

طول الأمل

يقول‘: «إذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصباح، وخذ من دنياك لآخرتك، ومن حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً»([1]).

وقال‘: «إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فإنه يعدل عن الحق، وأما طول الأمل فإنه يحبب الدنيا»([2]).

وطول الأمل له سببان:

1 ـ الجهل

2 ـ حب الدنيا

فإنه إذا أنس بها وشهواتها ولذّاتها وعلائقها ثقلت على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه عن التفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئاً رفعه من نفسه، والإنسان مشغوف بالأماني الباطلة، فتمني نفسه أبداً ما يوافق مراده وهو البقاء في الدنيا، فلا يزال يتوهمه ويقرره في نفسه ويقدر توابع البقاء وما يحتاج إليه من مال وأهل ودار وأصدقاء ووسائل وسائر أسباب الدنيا، فيصير قلبه معكوماً عليها، فيلهو عن ذكر الموت. هذا حب الدنيا.

وأما الأمل: فإنه قد يعول على شبابه، فيستبعد قرب الموت مع الشباب، أو لصحته فيستبعد موت المفاجأة، أو مضاجئة المرض.

العلاج

1 ـ علاج الجهل: الفكر الصافي من القلب الحاضر، وسماع الحكمة البالغة من القلوب الطاهرة.

2 ـ علاج حب الدنيا: الإيمان باليوم الآخر وما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب.

القسم الثاني: التائبون الذين يكثرون ذكر الموت

لينبعث من قلوبهم الخوف والخشية فيضوا بتمام التوبة، وربما كرهوا الموت خيفة من أن يختطفهم قبل تمام التوبة، وقبل إصلاح الزاد، وهم معذورون في كراهة الموت غير داخلين في قوله×: «من كره لقاء الله كره الله لقاءه»([3])؛ لأنهم يخافون فوت لقاء الله للقصور والتقصير، فهم كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلاً بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه، فلا يعدّ كارهاً للقائه، وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له.

ولذلك يقول الرسول‘: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»([4]).

يتبع…

_________________

([1]) المحجة البيضاء 8: 244.

([2]) المحجة البيضاء 8: 244.

([3]) المحجة البيضاء 8: 239.

([4]) الأمالي (الطوسي): 526/ 1162.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة