كشكول الوائلي _ 26

img

النعمان بن بشير

الحادثة الاُولى :

…أن النعمان بن بشير قال: سألت اُمّي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي، فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى بي النبي، فقال: إن اُمّه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا. قال: «ألک ولد سواه؟». قال: نعم. قال: «لا تشهدني على جور». وفي رواية: «ألک بنون سواه؟». قال: نعم. قال: «فكلّهم أعطيت مثل هذا؟». قال: لا. قال: «فلا أشهد على جور».

فالميزات التي تعطى لأحدهم والموجبة لتفضيله عليهم تجعل من الباقين ـ إن لم يكن لهم دين أو تصرّف واعٍ ـ سلبيّين داخل الاُسرة على أقلّ تقدير، فلا يساهمون في بنائها وخدمتها، وقد تحدث مجزرة داخل البيت وهو ما يمكن تلافيه لو عدلنا بينهم.

محمد بن الحنفيّة

الحادثة الثانية:

كان محمد بن الحنفيّة موصوفآ بالشجاعة والبطولة والبسالة، وكان ينزل المعركة أمام أبيه وأخويه، وفي يوم الجمل دفع أمير المؤمنين (عليه السلام) رايته إليه وقد استوت الصفوف، وقال له: «احمل». فتوقّف قليلا وتلكّأ في حمل اللواء، يقول: فأحسست بأنفاس أبي من ورائي وهو يقول لي : «احمل». فقلت: يا أمير المومنين، أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر؟ فدفع في صدري وقال: «أدركک عرق من اُمک؟». ثم أخذ الراية فهزها، ثم قال:

«اطعن بها طعن أبيک تحمدِ *** لا خير في الحرب إذا لم توقدِ

بالمشرفي والقـنا المسـدّدِ»

ثم حمل وحمل الناس خلفه، فطحن عسكر البصرة.

وقيل لمحمد: لم يغرّر بک أبوک في الحرب ولا يغرّر بالحسن والحسين (عليه السلام)؟

فقال: إنهما عيناه وأنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه.

وكان أميرالمؤمنين (عليه السلام) كلّما أراد الحسنان أن ينزلا إلى المعركة يقول: «املكوا عني هذين الغلامين لئلّا ينقطع بهما نسل رسول الله»؛ إذ أن الإمامة تمرّ عبرهما.

وهكذا ينبغي أن تكون المعاملة بين الأبناء، فإن تفاوتت فلما فضّل الله، وبما اختار واصطفى. وخلاف ذلک يكون إغراءً بالمعصية؛ لأنک حينئذٍ تحمله على معصيتک ومعصية الله بسوء معاملتک له: «رحم الله والدآ أعان ولده على البرّ». وبهذا يكون الولد نعمة أو نقمة.

الاستعجال بالدعاء

نُسَارِعُ لَهُمْ“، لماذا مفردة “نُسَارِعُ“؟ لأن الإنسان كلّما دعا ربّه قدّم لفظ الاستعجال فيقول: اللهمّ عجّل لي رزقي في المال أو الولد، وهو لا يعرف اين تكمن المصلحة، والواجب عليه أن يقول: اللهمّ اختر لي، اللهم ما فيه لي مصلحة فأعطنيه. وفي الرواية عن رسول الله 9 عن الله جلّ وعلا: «يحزن عبدي المؤمن إن قتّرت عليه وذلک أقرب له مني، ويفرح عبدي المؤمن إن وسّعت عليه وذلک أبعد له عني». أي أن التقتير هو سبب القرب إلى الله وبسط الدنيا سبب البعد عنه. فمتى ما بُسط له ابتعد عن الله وترک الصلاة والعبادة وخلا منه المسجد، وعمرت به مجالس اللهو والشرب، تلک المجالس التي يبغضها الله أشد البغض. وهذا من الأسباب التي تدعو إلى القول بأن الإنسان لا ينبغي له أن يدعو الله بالتعجيل أو عدمه، وإنما يترک ذلک للسماء تتصرّف كيف تشاء. فغاية ما يجب طلبه هو الرزق، أما كيفيّته وكميّته ومكانه وزمانه فليس هذا من شأن المخلوق.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة