كشكول الوائلي _ 25

img

محمد بن إسماعيل

الحادثة الثانية: عن محمد بن قولويه القمي قال: حدثني بعض المشايخ ـ ولم يذكر اسمه ـ عن علي بن جعفر بن محمد قال: جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) أن يأذن له في الخروج إلى العراق، وأن يرضى عنه ويوصيه بوصيّة. قال فتجنّب حتى دخل المتوضّأ، وخرج وهو وقت كان يتهيّأ لي أن أخلو به واُكلّمه، فلمّا خرج قلت له: إن ابن أخيک محمد بن إسماعيل يسألک أن تأذن له في الخروج إلى العراق، وأن توصيه، فأذن له (عليه السلام)، فلما رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال: يا عمّ اُحب أن توصيني. فقال (عليه السلام): «اُوصيک أن تتّقي الله في دمي». فقال: لعن الله من يسعى في دمک. ثم قال: يا عم أوصني. فقال: «اُوصيک أن تتّقي الله في دمي».

قال: ثم ناوله أبو الحسن (عليه السلام) صرة فيها مئة وخمسون دينارآ فقبضها محمد، ثم ناوله اُخرى فيها مئة وخمسون دينارآ فقبضها، ثم أعطاه صرة اُخرى فيها مئة وخمسون دينارآ فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمئة درهم كانت عنده، فقلت له في ذلک وقد استكثرته، فقال (عليه السلام): «هذا ليكون أوكد لحجّتي إذا قطعني ووصلته».

قال: فخرج إلى العراق فلمّا وردها أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل، واستأذن عليه وقال للحاجب: قل لأمير المومنين: إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب. فقال الحاجب: انزل أولاً وغيّر ثياب طريقک وعد لاُدخلک إليه بغير إذن؛ فقد نام أمير المومنين في هذا الوقت. فقال: اُعلم أمير المومنين أني حضرت ولم تأذن لي. فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل، فأمر بدخوله، فدخل وقال: يا أمير المومنين خليفتان في الأرض: موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج، وأنت بالعراق يجبى لک الخراج؟ فقال: والله؟

فقال: والله. قال: فأمر له بمئة ألف درهم، فلما قبضها وحمل إلى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته، فمات وحوّل من الغد المال الذي حمل إليه.

انظر كم هو الفرق بين الموقفين، مع أن كليهما من الاُسرة نفسها، وكليهما وقفا أمام سفّاک؛ فالمتوكّل كان مولعآ بالدم، وكذلک المنصور حتى إنه كان له وزير يقال له أبو سلمة، فكان إذا خرج من المنصور يرى وجهه مصفرّآ، فيقال له: لم هذا والمنصور يحترمک ويجلک؟ فقال لهم: إنما مثلي ومثلكم مثل الديک والصقر حيث قال الصقر له: ما أقلّ وفاءک لأهلک يعطونک الأكل والشرب ويدخلونک في بيوتهم وأنت تهرب منهم من سطح إلى سطح، وأنا يشدون عينيّ ويتركونني لأصيد لهم ثم اُعطيهم الصيد دون أن آكل منه وأبقى جوعان؛ فهناک فرق كبير بيني وبينک.

فقال له الديک: ذهبت عنک الحجّة. قال: كيف. قال: هل دخلت يومآ ورأيت عشرين صقرآ تشوى على النار في سيخ؟ قال: لا لم أرَ. قال: أنا أرى ذلک دائمآ، فأنا إنما أهرب منهم خوفآ من الشيّ.

ثم قال الوزير: فأنا أخرج كلّ يوم من المنصور مخلّفآ ورائي مجزرة في بيته. ومع ذلک افترق الموقفان.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة