كشكول الوائلي _ 25

img

المتوكل

الحادثة الاُولى : في كتاب (الاستدراک) عن ابن قولويه بإسناده إلى محمد بن العلا السرّاج قال: أخبرني البختري قال: كنت بمنبج بحضرة المتوكّل إذ دخل عليه رجل من أولاد محمد بن الحنفيّة حلو العينين، حسن الثياب، فوقف بين يديه والمتوكّل مقبل على الفتح يحدثه، فلما طال وقوف الفتى بين يديه وهو لا ينظر إليه قال له: يا أمير المومنين، إن كنت أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الأدب، وإن كنت قد أحضرتني ليعرف من بحضرتک من أوباش الناس استهانتک بأهلي فقد عرفوا. فقال له المتوكّل: والله يا حنفي، لولا ما يثنيني عليک من أوصال الرحم ويعطفني عليک من مواقع الحلم لانتزعت لسانک بيدي، ولفرّقت بين رأسک وجسدک ولو كان بمكانک محمد أبوک. قال: ثم التفت إلى الفتح فقال: أما ترى ما نلقاه من آل أبي طالب؟ إما حسني يجذب إلى نفسه تاج عزّ نقله الله إلينا قبله، أو حسيني يسعى في نقض ما أنزل الله إلينا قبله، أو حنفي يدلّ بجهله أسيافنا على سفک دمه. فقال له الفتى: وأي حلم تركته لک: الخمور وإدمانها، أم العيدان وفتيانها؟ ومتى عطفک الرحم على أهلي وقد ابتززتهم فدكآ إرثهم من رسول الله 9، فورثها أبو حرملة؟ وأما ذكرک محمدآ أبي فقد طفقت تضع عن عزّ رفعه الله ورسوله، وتطاول شرفاً تقصر عنه ولا تطوله، فأنت كما قال الشاعر:

فغضّ الطرف إنک من نمير *** فلا كعبآ بلغت ولا كلابا

ثم ها أنت تشكو إلى علجک هذا ما تلقاه من الحسني والحسيني والحنفي، فلبئس المولى ولبئس العشير. ثم مدّ رجليه ثم قال: هاتان رجلاي لقيدک، وهذه عنقي لسيفک، فبؤ بإثمي وتحمّل ظلمي، فليس هذا أول مكروه أوقعته أنت وسلفک بهم، يقول الله تعالى: “قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرآ إلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى”، فوالله ما أجبت رسول الله عن مسألته، ولقد عطفت بالمودّة على غير قرابته، فعمّا قليل ترد الحوض، فيذودک أبي ويمنعک جدّي، صلوات الله عليهما.

قال: فبكى المتوكّل ثم قام فدخل إلى قصر جواريه، فلما كان من الغد أحضره وأحسن جائزته وخلّى سبيله.

فتأمّل هذا الموقف، وهذا النوع من الأبناء نعمة، لأنه ذو فكر يقظ حيّ، له قدرة على أداء دوره في مثل هذه المواقف، ورجولة لا تعرف الخوف. فهذه سمات بني هاشم، وإن كان فيهم من هو على غير هذه الشاكلة فإنما جاءهم من طريق آخر، من الوراثة من أخوال أو غيرهم كما سنرى في النموذج التالي.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة