كشكول الوائلي _ 24

img

أنواع الفضائل

عندنا ثلاثة أنواع من الفضائل، هي:

الاُولى: الفضائل الخارجيّة

وهي عبارة عن عدّة موارد، ومنها الثروة التي يُتقرّب بها إلى الله، فهي وسيلة من وسائل الكمال، ولكنها لا تدوم فلا يستطيع أن يتصرّف بها متى شاء، فقد تزول الأموال في لحظات. فالملكيّة علاقة بين الشيء وبين الإنسان، تنفصم بمجرّد زوالها أو بالموت، فليس عاقلا من يقول بدوام المال له.

قصر الملك

وممّا يروى بهذا الصدد أن أحد الملوك بنى له دارآ فجاء مع أحد الوزراء ليمتّعا نظريهما، فسأله الملك: ما تقول فيها؟ فقال له: الناس بنوا بيوتهم في الدنيا، وأنت وضعت الدنيا في بيتك. فقال: هل به عيب؟ قال: نعم، قد تخرج ولا تستطيع الدخول، وقد تدخل ولا تخرج. يقول الشاعر:

قد مررنا على الديار خشوعآ *** ونظرنا البنا فأين الباني

ويقول أبو الطيّب المتنبّي:

أين الذي الهرمانِ من بنيانه *** ما يومُه ما قومُه ما المصرعُ

تتخلّف الآثار عن أصحابها *** حينآ فيدركها البلاء فتصرعُ

الثانية: الفضائل الجسميّة

وهي البنية القويّة أو القوى الجسديّة التي يجب علينا أن نستغلّها في عبادة الله عزّ وجلّ، يروى أن الإمام عليآ (عليه السلام) كان إذا وضع يده في صدر الفرس وهو مسرع في عدوه فإنه يرجعه، وكان (عليه السلام) يستغلّ هذه الطاقة في العبادة. والإنسان إذا استغلّ ذلك في العبادة فإنه يحيي الأرض، لكنه ينسى أنه سرعان ما يفقد هذه القوى، فليحرص على استغلالها في طاعة الله، فما إن يتقدّم به العمر حتى يغيم وجهه وينحني ظهره إلى آخره، وإذا بذلك الخدّ يوسّد التراب. يقول إيليا أبو ماضي:

ولقد قلت لنفسي *** وأنا بين الحضائرْ

هل رأيت الاُنس والرا *** حة إلّا في المقابرْ

فأشارت وإذا بالـ *** ـدود عبث بالمحاجرْ

فهذه أيضآ تذهب إلى التراب ولا يبقى منها شيء للإنسان.

الثالثة : فضيلة العلم

وهو فضيلة ذاتيّة لا يأكلها التراب ولا تضيع ولا تموت، وتبقى السمة الخالدة التي تعيش في الدنيا:

أخو العلم حيّ خالد بعد موته *** وأعضاؤه تحت التراب رميمُ

وذو الجهل ميت وهو ماش ٍ على الثرى *** يُظنّ من الأحياء وهو عديمُ

فهو من الأشياء الذاتيّة التي لا يعتريها تلاش ٍ ولا فناء؛ لأنه من جنس المجرّدات التي لا يعتريها الفناء، ورافد تشرب منه الإنسانيّة طيلة وجودها.

فقُدّم العلم لأنه باقٍ واُخّر الجسم لأنه فانٍ. هذا من ناحية، ولأن المعارك التي يحرّكها العلم غير المعارك التي يحرّكها الجهل؛ فأولا القوّة الفكريّة ثم الجسميّة.

ثم إنّ البسطة في الجسم كناية عن الشجاعة لا الطول والعرض فقط؛ ولذلك قدّم علي (عليه السلام) على غيره لما يملك من هذه المؤهّلات كالاصطفاء: «من كنت مولاه»، «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»، “قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ” إلى غير ذلك، والعلم، فقد توّجهُ الرسول بحديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»، والقرآن بقوله: “تَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَةٌ”، فقد أرسل له الرسول وقال له: «أمرني الله أن اُدنيك واُعلّمك، فأنت الاُذن الواعية لعلمي». يقول القزويني:

أبا حسن أنت عين الإله *** على الخلْق والاُذن الواعيهْ

تراهم وتسمع نجواهُمُ *** فهل عنك تعزب من خافيهْ

وإذا هو يترجم ذلك فيقول: «سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألونني عن فتنة يضل فيها مئة ويهتدي فيها مئة إلّا أخبرتكم بسائقها وناعقها، ومن يموت موتآ ومن يقتل قتلا».

ويذكر ابن أبي الحديد فصلا في انتماء العلوم إلى علي (عليه السلام)، والجسم يشهد له تأريخ الحروب: اثنتان وثمانون غزوة، وهو صغير يرتجز:

«قد عرف الحرب العوان أني *** بازل عامين حديث السنّ

سنحنح الليل كأني جنّي *** أستقبل الحرب بكلّ فنّ

معي سلاحي ومعي مجنّي *** وصارم يُذهب كلّ ضغنِ

أمضي به كلّ عدوّ عني *** لمثل هذا ولدتني اُمّي

ما ترقب الحـرب العـوان مـنّي»

وقد وُجد يوم اُحد أربع وستون طعنة في جسده، يقول لفاطمة:

«أفاطم هاك السيف غير ذميمِ *** فلست برعديد ولا بمليمِ

لعمري لقد جاهدت في نصر أحمدٍ *** وطاعة ربّ بالعباد رحيمِ»

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة