الذكر ـ 3

img

مصطفى آل مرهون

إشكال وحل

إن قيل: ذكْره تعالى حين ارتكاب ما لا يرتضيه الله عز وجل كيف يكون محبوباً له تعالى؟

الجواب: إن الذكر إذا كان على نحو الاستخفاف والاستهانة فلا ريب أنه ليس من الذكر، بل يوجب الكفر والبعد عن ساحة الرحمن، وأما إذا كان من باب أنه ستار العيوب وغفار الذنوب، فهذا يوجب الحياء منه تعالى ولو في ما بعد، فينتهي إلى التوبة والاستغفار، فيكون محبوباً له تعالى.

يقول أحمد أمين: شكى له أحد الشباب أحد المعاصي التي لا يعرف كيف يتخلص منها، فعلمه صلاة الليل، ثم رآه بعد فترة فأخبره أنه استطاع أن يتخلص من المعصية وهي أن يصلي أحد عشر ركعة آخرها ركعتي الشفع والوتر ركعة واحدة، يقرأ بعد الحمد ثلاث مرات: سورة التوحيد ثم سورة الناس والفلق ويقنت ويقول دعاء الفرج وسبع مرات هذا مقام العائذ بك من النار، وثلاث مائة: العفو، ويستغفر لأربعين مؤمناً ويركع ويسجد ويسلم. وعن النبي‘: «صلاة ركعتين في جوف الليل أحب إليّ من الدنيا وما فيها»([1]).

المعرضون عن ذكر الله

يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124].

والعيشة الضنك هي الضيقة، «وذلك أن من نسي ربه وانقطع عن ذكره لم يبقَ له إلا أن يتعلق بالدنيا ويجعلها مطلوبه الوحيد الذي يسعى له ويهتم بإصلاح معيشته والتوسع فيها والتمتع منها، والمعيشة التي أوتيها لا تسعه سواء كانت قليلة أو كثيرة؛ لأنه كلما حصل منها واقتناها لم يرضي نفسه بها وانتزعت إلى تحصيل ما هو أزيد وأوسع من غير أن يقف منها على حد، فهو دائماً في ضيق صدر وحنق مما وجد، متعلق القلب بما وراءه مع ما يهجع عليه من الهم والغم والحزن والقلق والاضطراب والخوف بنزول النوازل وعروض العوارض من موت ومرض وعاهة وحسد حاسد وكيد كائد وخيبة سعي وفراق حبيب.

ولو أنه عرف مقام ربه ذاكراً له غير ناسٍ إياه أيقن أن له حياة عند ربه لا يخالطها موت، وملكاً لا يعتريه زوال، وعزة لا يشوبها ذلة، وفرحاً وسروراً ورفعة وكرامة لا تقدر بقدر ولا تنتهي إلى أمد، وأن الدنيا دار مجاز وماحياتها في الآخرة إلا متاع فلو، عرف ذلك قنعت نفسه بما قدر له من الدنيا ووسعه ما أوتيه من المعيشة من غير ضيق وضنك»([2]).

ولذلك لما أدرك أنصار الحسين ما هم فيه وما هم مقبلين عليه لم يتخلوا عن سيدهم وعاشوا تلك الليلة بين قائم وقاعد وراكع وساجد وقارىء للقرآن وذاكر لله تعالى، بل إن أحد الأنصار أقبل عليه صاحبه يمازحه فقال له: أتمزح في مثل هذه الساعة؟! فقال: كيف لا وما هي إلا سويعات ونعانق الحور العين([3]). فلمّا جاء يوم العاشر تسابق أصحاب الحسين إلى المنية.

لهفي لركب صرعوا في كربلا *** كانت بها آجلهم متدانيه

_____________

([1]) علل الشرائع 2: 363/6.

([2]) تفسير الميزان 14: 224.

([3]) اللهوف في قتلى الطفوف: 57.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة