الذكر ـ 2

img

مصطفى آل مرهون

الفقراء والرسول‘

عن أبي عبد الله× قال: «جاء الفقراء إلى رسول الله‘ فقالوا: يا رسول الله إن الأغنياء لهم ما يعتقون وليس لنا، ولهم ما يحجون وليس لنا. ولهم ما يتصدقون وليس لنا، ولهم ما يجاهدون وليس لنا، فقال رسول الله‘: من كبّر الله مائة مرة كان أفضل من عتق مائة رقبة، ومن سبّح الله مائة مرة كان أفضل من سياق مائة بدنة، ومن حمد الله مائة مرة كان أفضل من حملات مائة فرس في سبيل الله بسرجها ولجمها وركبها، ومن قال لا إله إلا الله مائة مرة كان أفضل الناس عملاً ذلك اليوم إلا من زاد. قال: فبلغ ذلك الأغنياء فصنعوه. قال: فعاد الفقراء إلى النبي‘ فقالوا: يا رسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه، فقال رسول الله‘: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»([1]).

المرتبة الثالثة: الذكر القلبي. وهو: التوجه والخلوص والتقرب إليه تعالى، وكلما ازدادت عبودية العبد لربه ازداد مقام توجهه إليه؛ ولذا ورد عن رسول الله‘: «لي مع الله حالات لا يسعني فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل»([2]). وفيه إشارة إلى بعض توجهاته الخاصة إلى مقامات ربه، يقول تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

وقال السبزواري في تفسيره ج2 ص 149: والمحصل مما ذكرنا أمور، ملخصه:

الأول: أن الذكر منبث على القلب واللسان والجوارح.

الثاني: أن حقيقته هو التوجه الفعلي إليه تعالى كقول بعضهم: أن ينسى العبد ما سوى الله تعالى ويكون مقصوده من جميع حركاته وسكناته وأقواله وخطرات قلبه هو الله.

الثالث: أن أمره بالذكر شامل لجميع المراتب.

الرابع: أن على المؤمنين التعبد بالأذكار الواردة.

أقسام الذكر

1 ـ ما يتعلق بنعم الله على الإنسان: ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: 67].

2 ـ ما يتعلق بالنعم العارضة التي أفاضها الله سبحانه على الإنسان: ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34].

3 ـ ما يكون محبوباً بذاته على كل حال ومجرداً عن الإضافه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الشعراء: 227].

4 ـ ما يكون عند اهتمام النفس بشيء غير مرضي له تعالى، فيذكر الله ويرتدع عنه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201].

5 ـ ما يكون بعد اقتراف معصية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 135].

6 ـ حين ارتكاب ما لا يرتضيه الله، ففي الدعاء: «وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولا لنظرك مستخف ولكن سوّلت لي نفسي»([3]).

يتبع…

_____________

([1]) الكافي 2: 505/ 1.

([2]) جامع السعادات 1: 38.

([3]) بحار الأنوار 97: 444.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة