تأملات قرآنية ـ تأملات في سورة الإخلاص ـ 3
الأستاذ صالح السعود
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد
الله الصمد
تلقائياً يرى المتلقي نفسه يكرر (قل) ليدخل مفهوماً جديداً. . وعوضاً من أن يقال (قل الله أحدٌ صمدٌ لم يلد..) جاء التعبير مفصلاً. . يضمر فيه المتأمل (قل) الثانية، ويبرز فيه (الله) الاسم الأعظم، ليزداد المتلقي نشوة وتعلقاً (الله أحد الله الصمد)
ويحق له بعد ذلك أن يسترسل (هو الله أحد، هو الله الصمد، هو الله لم يلد..) فيكرر اسم الجلالة تلقائياً نفسياً، كما يكرر (قل) ويكرر (هو) . . وكأن النص يوحي إليه أن يقول (قل هو الله أحد، قل هو الله الصمد، قل هو الله الذي لم يلد..)، وبعد هذا الانسياق لايمتلك سوى أن يستجيب لنداء المُلقي وكأن رجع صوته يقول (يشرفني أن أقول وأردد وأنادي وأصرخ… هو الله أحد، وأقول هو الله الصمد..) ” إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب، فاجعلني كما تحب”.
إلا أن النص يكتفي بإلماحات يسجلها القارئ قدرَ طاقته الروحية ومعرفته العقلية.
الصمد
وبينما كان الإنسان لا يستطيع أن يصمد دون الحاجة إلى الطعام والشراب، ودون الحاجة إلى أنيس ورفيق، دون الحاجة إلى مأوى، دون الحاجة إلى الأرض والسماء… فهو محتاج إلى كل شيء، أما (الله) سبحانه فهو (الصمد) وكل شيء يحتاج إليه دون أن يحتاج إلى شيء، بل هو ” السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر أو ناه”، والذي كمل في ذاته، ثم لا يعجزه إكمال غيره.
ولأن الصَّمْد يعني القصد، و السّيّد من شأنه أن يقصد، فإذا قال القائل (الله الصمد) فقد قصر قصده وشؤونه على (الله) وحده، وفوّض أمره كله لله، وأيقن أن الله يدبر أمره ويكفيه مئونة الدنيا والآخرة..، فلا سيّد سواه يقضي حوائجه ويحفظه من بين يديه ومن خلفه.. (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) {الطَّلاق:3}
وإذا أيقن القائل بأحدية الله وصمديته.. استنفرَ قواه لمجابهة المعاندين والمشككين، الذين ما قدروا الله حق قدره، فتوهموه كائناً بشرياً يتزاوج ويتوالد، وله أطراف وأجزاء، وأعوان وشركاء… تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وإذ تعرّف القائل على (الله) بما هو بأحديته وصمديته، فيبقى عليه أن يعرفه مقارنة بغيره سبحانه…
ـ يتبع ـ