تأملات قرآنية ـ تأملات في سورة الإخلاص ـ 2
الأستاذ صالح السعود
قل هو الله
( أحد )
تحتلّ كلمة ( أحد ) البؤرة المركزية للسورة الكريمة ، حيث يبدو الهدف الأمّ في السورة الكريمة هو إبراز أحديته سبحانه
ومن ( أحد ) تنبثق سلسلة السورة وتفريعاتها ، فلأنه ( أحد ) يكون صمداً ، ونتيجة لذلك ( لم يلد ولم يولد ) ، حتى تختتم السورة الكريمة بـ ( أحد ) مؤكدةً توحّده وتفرده دون مشابه ولا مشارك ولا منازع ( ولم يكن له كفواً أحد ) .
وفي تنكير ( أحد ) تعميم الأحدية المطلقة لله سبحانه على كل شيء ، وتمييزٌ له سبحانه عن كل موجود سواه ، فلا ( أحد ) يستحق الأحدية إلا الله ، كما يستحيل أن يكون ( لا إله ) إذ يجب أن يكون لهذا الكون إله واحد فوق مستوى المادة المكوّنة للكون الدقيق الكبير ، ابتدعها وكوّنها وصرّفها .. فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ” كما شهد الله لنفسه ، وشهدت له ملائكته وأولو العلم من خلقه () ”
فهذه الآية الشريفة ( قل هو الله أحد ) تمثل الاعتراف بأحدية الله وتمكنه من عالم الخلق والأمر ، وتحكي خلاصة رسالات الأنبياء، وصراعهم المرير مع الطغاة والمتمردين .
إن هذا الإصرار على هذه النظرة الفطرية الأولية هي أهم خطوة من خطوات النفس البشرية ، ومن خلال هذا التوحيد تتشكل سلوكيات الإنسان ، حين يرى المؤمن أن الكون كله في قبضة إله واحد ، ويرى حياته بين يدي رحمته وحده ، فلا يخشى الاّ لله وحده ، ولا يرجو غير الله وحده ، ولايحبّ سوى الله وحده ، فكل شيء في الله وبالله ومن الله وإلى الله ، وما صلته بالكون إلا جزء من صلته بخالقه ومدبره ، فيعيش الاطمئنان مع نفسه ومع غيره ، بلا فصل بين العلم والعمل ، و لا بين الدين والسياسة .. ولا بين الدنيا والآخرة ، فلا سجون ولا وحواجز ، ولا أرباب تتصارع في داخله وخارجه ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ( {يوسف:39}
فهذه الآية الكريمة تهب القارئ طاقة روحية نافذة تتخلل جميع شؤون حياته
وبعدما استشعر المتلقي أحدية إلهه الفرد ، الذي يسمو فوق مستوى الإلهيات الزائفة .. وأيقن وجوده وواقعيته العقلية والوجدانية ، وأدرك هيمنته وتفرده .. ينقلنا السياق إلى مفهوم جديد، يؤلف حقلاً دلالياً انبثاقياً ، ذا حدود متجانسة ، ليشكل ككل مفهوماً أفقياً يحكي الأحدية المطلقة ، في استغراق تأملي فطري بعيداً عن التعقيدات الفلسفية والدروس الكلامية .
الله الصمد
وتلقائياً يرى المتلقي نفسه يكرر ( قل ) ليدخل مفهوماً جديداً ..
ـ يتبع ـ