تأملات قرآنية ـ تأملات في سورة الإخلاص ـ 1

img

الأستاذ صالح السعود

بسم الله الرحمن الرحيم

( قل )

افتتحت السورة الكريمة بفعل أمر تلقيني ( قل ) ، يوحي للمتلقي  بأهمية المقول وعلو شأنه ، مقروناً بتشريف المتلقي وإشراكه في تبني المقول ، وتعزيزه .. والانقياد له .. وتبليغه …  مع إعفائه عن مسؤولية الوصول إلى أبعاده الحقيقية ..

وحين يبدأ القائل بحكاية المقول ، يبدأ السياق بضمير الغيبة ( قل هو )

( هو )

وكأن القائل بعيدٌ جداً عن المقول ، فهو في عالم حضور ، وسيرتحل مع السياق إلى عالم آخر هو عالم الغيب ( هو ) .. ( قل هو ) الذي أعجز عن إدراكه وتوصيفه ( هو الله )

وكأن القائل يقول بأن ( الشأن والحقيقة العظمى التي أُقرُّها .. أن الله أحد ) سواء أدركتُ حقيقتها أم قصُرتُ عنها ، سواء قالها معي أحد أم لم يقلها ، تقبلها الآخرون أم رفضوها .. تضل ( الله أحد ) حقيقة واحدة ماثلة في كل شيء كما ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ( {آل عمران:18} فلا نزاع – واقعاً وحقيقة -في أحديته وتوحيده

وفي كلّ شيء له آيةٌ                            تدلّ على أنّه واحد

ويستمر هذا الشأن وتتواصل الحقيقة في كل ثنايا السورة الكريمة ، فالشأن والحق أن ( الله أحد ) والحق أن ( الله الصمد ) والحق أنه ( لم يلد … )

وإذا أشار القائل إلى إلهه ( قل هو ) .. خشع قلبه ، وتجرد عن كل شيء سوى ( هو ) وتكشفت أمامه حجب المادة ، وأحس برد لقاء ربه ، وعلم معنى (  هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ .. (  {الحشر:22} حتى يبلغ حد اليقين به ، كما يقول وصي رسول الله (  ” لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً () ” .

 ( الله )

وهكذا يجد القارئ نفسه بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وقد تجلى له بكمال أسمائه وصفاته ( قل هو الله ) أي قل ( الذات المقدسة .. الله ) .

( الله ) الذي تجلى لخلقه بآياته ، وغشّاهم برحمته ، ودلّهم إلى رضوانه .. بوصفه الإله الأسمى فوق مستوى الآلهة المصطنعة والموهومة والزائفة

فتلك الذات الغائبة عنكم ، الصانعة لكم ، المنعمة عليكم .. هي ( الله) ، وهي الذات التي أدرك آثارها الإنسان ، وإن تنكر لها واتخذ آلهة دونها ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ(  {العنكبوت:61} .

( قل هو الله ) إنها المقولة التي تهز الوجدان من كيانه ، وتصهر الكون كله في بوتقة واحدة ، لا ترى فيها سوى ( الله ) (  .. قُلِ اللهُ ، ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ( {الأنعام:91}

ذلك هو التعريف الأساس للهوية المطلقة ( هو الله ) ولا إله غيره ، ( هو الله ) ولا مألوه سواه ، ولتجلية تلك الهوية يأخذ السياق مداه ليبرز لنا أهم سمات الإلوهية الحقّة ؛ وهي الأحدية ، فالإله الحق لهذا الكون الفسيح ، وهذا النظام الدقيق المتناغم .. ينبغي أن يكون واحداً ، وإلا لفسدتا .. ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ، فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ( {الأنبياء:22}

( أحد )

تحتلّ كلمة ( أحد ) البؤرة المركزية للسورة الكريمة..

ـ يتبع ـ

 

 

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة