تأملات قرآنية ـ تأملات في سورة الكوثر ـ 3
الأستاذ صالح السعود
(إن شانئك هو الأبتر)
وهذا هو الدور الأخير في الرسالة ، وهو يمثل التقرير الختامي لحسم المعركة والاستخلاف النهائي .
فالآيات تؤكد ( إنّ .. هو ) مقررةً نهاية المطاف ، وحسم المواقف ، وقصر الخيبة والانقطاع والبتر إلى ( الأبتر ) فقط ، وفي الوقت ذاته هو تطمين إلى امتداد العطاء وبقاء الكوثر وخلود الهدف .
وبهذا يعود القارئ إلى المقطع السابق يكرر انقطاعه إلى ( ربه ) مصلياً له ، ناحراً في سبيله ، منتظراً عطاء ( الكوثر ) الجديد .
وهنا يأتي التقرير الأخير من السورة الكريمة ( إن شانئك هو الأبتر ) مؤكداً شأنين اثنين ؛
أحدهما : خذلان الشانئ وخيبته ، فغاية ما يصل إليه عدوك هو الشنآن ( إن شانئك ) والشانئ هو المبغض والحاقد والناصب .. وذلك أقصى ما يصلك منه ( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ( {آل عمران:111} وبهذا يمتلئ ( الشانئ ) هماً وغماً وحزناً ونكداً ، لما يرى فيك من العطايا ، وفيه من النواقص والخزي والخيبة .. ، رغم معرفته بما وصلت إليه ، ويقينه بمكانتك .
وثانيهما : استمرار عطاء الكوثر ، فإذا واصلت صلاتك ونحرك ، تبددت كل قوى الشر من بين يديك ، لأن الله سبحانه جعل من كوثرك دحر عدوك ، مهما بلغت قوته وعزّ جاهه ، وكثرت أعوانه وذراريه .. وإن دبّر الحيل والمكائد للإطاحة بك ، واستنقاص شأنك وإشغالك عن النظر إلى ( الكوثر ) وردك عن الصلاة والنحر ، فـ ( إن شانئك ) ومبغضك ( هو ) لا أنت ( الأبتر ) ، أما أنت فـ ( إنا أعطيناك الكوثر )
وهنا تأتي المفارقة حين يضاف الضمير ( ك ) هناك إلى المعطي ( أعطيناك ) ويضاف هنا إلى الشانئ ( شانئك ) ، وشتان بين الحالتين ، فمن يضاف إلى عطاء الألوهية .. لا يعبأ بشنآن المبتورين ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ، وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ( {الصَّف:8}
ولقد صدقت بنت الرسالة ، عقيلة بني هاشم زينب بنت فاطمة الزهراء (عليها أفضل التحية والسلام) في حديثها في مجلس ابن مرجانة ” فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند ، وأيامُك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد .. () ” وصدق الله إذ يقول : ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا( {النساء:113}
وذلك الكوثر المحمدي العذب لا يزال نابضا في قلوب من اتبعه، وتعلق بضميره.. و (إن أولى الناس بإبراهيم لَلذين اتبعوه..)